لم تتجاوز الخامسة والعشرين عندما انضمت إلى قائمة المطلقات إثر شجار حاد دار بينها وبين طليقها الذي أنهى العلاقة الزوجية التي دامت لسنوات .. عيرها بجهلها و جرحها بألفاظ كثيرة .. نست كل الذي دار بينهما إلا العبارة التي حولت حياتها من مجرد أمية إلى دكتورة تعقد الندوات وتلقى المحاضرات .. هذه العبارة بقيت متجسدة أمامها ولم تفارق خيالها بذاتها .. هي العبارة التي هزت كيانها .. عبارة مظلمة بذاتها .. قالها دون أدنى اهتمام ( من تظنين نفسك فأنت مجرد أمية ) هذه العبارة جعلتها تعيد ترتيب حياتها وتعيد النظر في وضعها الحالي والسنوات التي مضت من عمرها...
ولأول مرة تمسك القلم وتختار السير في طريق العلم .. لم يكن القرار بالبسيط السهل في هذا العمر .. ما الذي يمكنه أن تحقق سؤال يفرض نفسه... ولكن المحاولة بحد ذاتها نجاح.. فبقوة الارادة انطلقت وبشعلة الحماس خطت الخطوة الاولى و حفظت الحروف الأبجدية .. واقتحمت عالم القراءة والكتابة ... اختارت الصمود والاستمرار مهما كانت النتيجة ومهما كانت المعوقات وتعليقات الناس .. وتمر السنين وتنهي المرحلة الابتدائية فالإعدادية ثم الثانوية صعب على التصديق ولكنه الواقع الذي صنعته اشراقة روح تحدت العجز وهزت عرائش السائد فتفجرت طاقاتها، وأخيراً حصلت على رسالة الدكتوراه .. وتعقد الندوات والمحاضرات .. ويخصص برنامج يحكي قصتها .. محاولة ناجحة فوق الخيال .. خسرت حياتها الزوجية وكسبت شهادة وعلما ومركزاً اجتماعيا مرموقا.. استطاعت بعلمها وكفاحها أن تحتل كرسيا من أعلاه تشارك في صنع وعي المجتمع وتقود أفكارهم.
ومها كانت البداية كالحديد يذوبه الصمود والصبر .. ومن المؤكد أن مسافة ألف ميل تبدأ بخطوة .. والأهم تحديد الهدف والسعي لتحقيقه مزوداً بالرغبة.
هذه القصة تذكرتها عندما رأيت أمهات يقرأن نصوصا ًكاملة دون أية أخطاء أمر مفرح حقاً ومشجع ويبعث بالفخر والاعتزاز في النفوس ، أنه أمر حقيقي على أرض الواقع رأيناه في مراكز محو الأمية .. منظر يزرع الأمل وبه نسحق الجهل ونرفع الوعي.
كثيراً ما نكرر أن العلم في الصغر كالنقش على الحجر والعلم في الكبر كالنقش على البحر . وأمثلة واقعية تفرض علينا إعادة النظر في هذه الجملة بحجة هذه التجربة الرائدة المتجلية أثبتت أن العلم في الكبر لا يقل أهمية عنه في الصغر إذا لزمته العزيمة.
التسميات
من الحياة