خواطر من بلاد التيه.. كثيرون منا يعيشون حياتهم وكأنها سفينة أصابها عطب وهي تشق عباب البحر وسط أمواج متلاطمة

لست أدري تماماً ماذا أريد بالتحديد! ولست أدرك لماذا لا أعرف ما أرمي إليه!! لأنني لم أرم أصلاً، رغم أنني أصبت أهدافي في أحايين غير يسيرة. حتى في تلك اللحظة التي أصل فيها_ بإصابة الهدف_ إلى ما كنت أصبو إليه، لا أعثر على سبب واحد أعزو إليه انتصاري. قد أحسب أنه يعود إلى هذا، وقد أظن أن ذاك الأمر كان وراء ذلك السداد. ليس معنى ذلك أبداً أنني لا أفكر، بل أرهق ذهني - المذهول دوماً - بالتحليق في فضاء التفكر والتمعن، واستبسل في التمحيص وقد استمر ساعات طوال في التدقيق والتحقيق. ولا أرضى أبداً بالعدول عن الوصول إلى ما أريد. وقد يكون ذلك أحد أسباب الانتصار في حالة تسجيله. ولكن هل ينفع الإصرار وحده في مثل هذا المسار؟ الإصرار - حسب علمي - سلاح حاد يساعد صاحبه على الوصول، متى ما كان يسير على الجادة الصحيحة، أما إذا كان يمشي هائماً في الأدغال التي ليس في نهايتها سوى الأوغال من الحيوانات المفترسة أو الأوغاد من البشر المتوحشة، ويصر على مواصلة السير فيها ما هو المصير؟
كثيرون منا يعيشون حياتهم وكأنها سفينة أصابها عطب وهي تشق عباب البحر وسط أمواج متلاطمة ففقدت القدرة على التحكم في نفسها وباتت بالتالي تتمايل مع الرياح حيثما مالت. إذ يستيقظون من الرقاد الذي كان السهاد يمسك زمام أمر أكثر ساعاته حينما تنزاح جفونهم عن عيونهم، لا بأس بتأخر، فالمهم لديهم هو أن وقت الدوام لم ينته، والأهم من ذاك وغيره هو أن موعد مجيء الموكب المهيب لم يحن بعد.
ليست هنالك معضلة أكبر من أن تكون حياتك في حيص بيص رمتها عواصف الزمان في كف عفريت يمحيها بإحالتها إلى طريق الزوال في ظرف زمني قصير منقوش بتأشيرة البريد الممتاز أوالسريع، أو يطحنها ويعجنها بمحلول العجز ويقليها بزيت الكسل ليتخذ من سائلها - إن خرج منها سائل أصلاً - زاداً يستعين به في استكمال مشوار الغواية وبالتالي لن تكون إثر ذلك مخيراً فيما تفعل بل لن تفعل شيئاً بعد إن سلبت منك السيادة وانتهت صلاحية إرادتك ووقعت في شريك شيطان مارد ملك زمام أمرك وأنت لا تدري وأدخلك في واد الغيبوبة تهيم فيه كالبهيمة.
كثيرون منا مع الأسف الشديد يعيشون حياة طيش تمثل العشوائية الشعلة التي تضئ دربهم الذي يسوده الظلام بسبب عدم جدوى الوسيلة المستخدمة أو بالأحرى انعدامها مما يجعل التخبط وخيبة الأمل - هذا إن كان هنالك أمل - نتيجة حتمية لا مفر من الوقوع في براثنها في نهاية المطاف. لاستعجال الخطى واقتصار المسافة قبل أن يأخذني الكلام ويوقعني اليراع فيما أحاول التحذير منه بهذه الحروف المبعثرة التي نثرها الحبر الذي يقوده لساني المتعثر وينطبق على قول الشاعر.
لا تنه عن خلق وتأتي مثله               عار عليك إذا فعلت عظيم
أعود وأقول إننا نحتاج إلى اقتصار زمن الاستراحة التي نعيشها طول السنة إن لم نقل طيلة أيام العمر ومنح الجدية حظاً وافراً من حياتنا مستهلين سيرنا بالاستيقاظ من النوم العميق وبوعي وإدراك متطلبات المرحلة التي تمر بها بلادنا بمواكبة ومساهمة كل مواطن حسب طاقته وقدرته عقلياً بالتخطيط السليم واتخاذ القرار الصائب في الوقت المناسب، وعضلياً بالأداء الجيد والجهد الجهيد عند القيام بالعمل أو الوقوف على الثغرة، واقتصادياً بالمبادرة في المساهمة في المشاريع التنموية التي تشهدها البلاد بدل ترك رأس المال راكداً في البنوك أو التزاحم في سوق كلاسيكي واحد، وبتحديد الهدف المنشود واتخاذ العمل والإنتاج وسيلتنا وسبيلنا الوحيد لبلوغ ما نريد، والصبر والمثابرة والصمود والإصرار على ذلك وقودنا وطاقتنا لنواصل مسيرة صناعة المستقبل بحماس أكثر وأقدر على أن يطرد النعاس من أجسادنا ويزيل الصدأ من أنفسنا ويغرس مبادئ الإخلاص والصدق والثقة في قلوبنا ويضمن لنا بذلك الوصول إلى التنمية المستدامة التي لا تزال لدى كثيرين بمثابة ليلى يلهو ويلعب قيسها ويتغنى في لحظات السكر بحبه الجارف لحبيبة لا يحاول أن يخطو خطوة للوصول إليها أبداً.
 لا أخال أن عاقلاً يتمتع بكامل قواه  سيتأخر ثانية أو يتردد دقيقة واحدة في الاختيار بين الحالتين، بل سيصر كل إنسان ويدفع كل غال ونفيس من أجل أن يكون. ولكن مع الأسف - غير السير- لم يتمكن كل الناس من استيعاب مكنون كلمة الكينونة   إذ نرى كل يوم من يدعي سراً وعلانية أنه لن يساوم على حياته مهما كان الثمن، و يسعى في نفس الوقت بقدميه نحو خطر محدق قد يبدد كيانه في برهة أقل من لمح البصر، حينما يخوض الحروب غير المبررة كالنزاعات الأهلية فيسلم نفسه دونما ثمن أو سبب يستحق تضحية كهذه . أو يرى الخطر قادماً ولا يحاول الفرار منه باتخاذ الوسائل الكفيلة بالوصول إلى بر الأمان. لست أعتقد أن العاقل الذي يرى عياله يلعبون بالنار داخل فناء داره ولا يحرك ساكناً قد اتخذ أيسر سبل الوقاية من شر أن يشب الحريق ويقضي في ثوان على الحرث والنسل.
كثيرون منا يسبحون في مستنقع الخطر ويغوصون في أعماق قد يصعب الخروج منها عندما يتفرجون على المراهقين الذين يعبثون بالأمن والاستقرار ولا يكترثون بنتائج طيشهم حينما يرشقون الحجارة بالسيارات التي يمتطيها أولاد حارتهم الكادحين الذين يكتوون كغيرهم بنيران الأسعار التي تصطلي أكثر وأكثر كل يوم دون أن يكون لأحد يد  في اشتعالها أو شموخ شرارتها ولا قدرة لكبح جماح غليان الغلاء.
بل ويعملون على تعميق الجرح ويغتالون أمل الاندمال حينما يقدمون على فعل كهذا في وقت ينشغل الآخرون على إيجاد العلاج الناجع ويشدون الرحال نحو النجاح والنهوض. 
مؤون حسن

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال