انحراف الزواج وتصدع الحياة الزوجية.. عندما يصبح العالم الخارجى وما فيه من رجال ونساء مصدر إغراء وفتنة

إن الزواج عملية بناء وتكوين وتقدم متصلة الحلقات تعترضها عقبات يجب أن تكون موضع تبصر وتفكير، عملية تتطلب أحياناً بعض التضحيات ولكنها تتطلب دائماً بذل المجهود لكى تسير إلى الأمام، أما إذا انحرف الزواج وأخذ يتصدع لسبب من الأسباب فعندئذ يصبح العالم الخارجى وما فيه من رجال ونساء مصدر إغراء وفتنة، وفى هذه الحالة يتخذ الوفاء شكلاً جديداً فيصبح واجباً خلقياً بل عبء خلقياً قد يكون من العسير تحمله ، وعندما يتخذ الوفاء فى شعور الزوج أو الزوجة شكل الواجب فهذا دليل على أن هناك خطراً يهدد الزواج من الداخل وأن تصدعاً قد حدث فى بناء الزوجية سيتسلل منه العدو الخارجى للقضاء على هذا البناء، لأن تحويل الحياة الزوجية إلى سلسلة من الأفعال الرتيبة التى تتابع فى جو من الإستسلام والرضى السلبى، فى مثل هذا الجو من الجفاف العاطفى يفقد الحب قيمته كعامل من عوامل تقوية النفس وتكامل الشخصية ويكتفى كل زوج بالقيام بما يعتقد أنه الواجب، ولا شك فى أن القيام بالواجب فى جو من عدم الإهتمام واللامبالاه لا يلبث أن يحول الواجب إلى أمر ممل.
ومن الأسباب التى تعكر صفو الحياة الزوجية وتزيد التوتر بينهما عدم فهم كل من الزوجين طبيعة الآخر والفصل بين العنصرين اللذين يكونان الحب : العنصر الحسمى والعنصر العاطفى والنفسى . فمن واجب الزوج أن يدرك أن المرأة تقدر إلى أقصى حد دلائل العطف والحنان وأنها فى حاجة إلى أن تشعر أنها موضع إعجاب وتقدير ، وأنها ليست مجرد وسيلة لإشباع رغبات زوجها ، ومن جهة أخرى يجب على الزوجة أن تدرك أن مطالب الطبيعة البشرية فى الزواج ليست مقصورة على العطف والحنان بل تشمل رغبات جسمية فى حاجة للإشباع وبهذا الصدد يجب أن نعلم أن عدم الأمانة الزوجية لايرجع إلى المغريات التى قد تصادف المرء فى الخارج بل إلى تجاهل مطالب الزوجية الجسمية وعدم إرضائها سواء من ناحية الزوج للزوجه أو العكس .
إن طريد الفردوس يحن دائماً إلى الجنة المفقودة وإذا كان الإنسان كثيراً ما يخطئ اختيار الوسائل ويضل الطريق المؤدى إلى الخير والسعادة فإنه لايمكنه أن يسكت هذا الصوت الذى يتصاعد من أعماق نفسه داعياً إياه إلى تحقيق جميع إمكانياته من حق وخير وجمال .
هذا هو الدعاء الذى يظل يسمع صوته، إن عالياً أو خافتاً خلال المراحل التى يجتازها الحب الكامل عندما ينمو فى جوّه الطبيعى وفى تربته الطبيعية أى فى جو الحياة الزوجية وتربتها لينمو إلى مرحلة النضج التام والذى يصل بالحياة الزوجية إلى الهدوء والإستقرار وقد ذكرنا بعض
من الأزمات التى تهدد هذا الإستقرار وتؤدى إلى تصدع الحياة الزوجية ومنها الملل والجفاف العاطفى وعدم فهم كلا الطرفين للآخر
وبقى أن نذكر دراسات المحللين النفسيين فى حالات الطلاق والتى بينت بوضوح أن الطلاق لايصلح أبداً ليكون علاجاً لمثل هذه الأزمات بل العلاج الناجح هو أن يفهم الراغب فى الطلاق الدوافع اللاشعورية التى تجعله يفكر فى مثل هذا الحل فعليه أن يعالج نفسه من العقد التى تعمل فى أعماق نفسه بل من المفيد – كلما هدد أحد الزوجين الآخر بالهجر والطلاق – أن يستشير كل من الزوجين المحلل النفسى وأن يطلبا العلاج الملائم لحالتهما فمن شأن العلاج النفسى أن يزيد المعالج استبصاراً ومعرفة بنفسه وأن يمكنه من تقدير الأمور تقديراً واقعياً ، ومن شأن هذه المعرفة والتقدير السليم أن يجعل المرء يدرك أن الأزمات والمشاكل ملازمة للطبيعة البشرية وأنها ضرورية لرقى الإنسان وصعوده فى سلم الكمال وأن بعض الأزمات العنيفة التى تهز بناء الحياة الزوجية لا حلّ لها سوى التضحية .
لذا كان لزاماً علينا أن نؤكد أهمية هذه العلوم التى تتعلق بالحياة الزوجية سواء كانت من الناحية السيكولوجية أو الجنسية لأنه ليس من السهل على كل فرد فى المجتمع أن يلجأ للطبيب النفسى ، كما أن الوعى السليم بهذه الأمور يجعل الفرد يعالج أزماته ب وهذا إذا تأصل هذا الوعى فيه كمبدأ من المبادئ الأساسية، فلا يكفى تلقين المبادئ الخلقية من الخارج على صورة تدريب يعتمد على الضغط والتخويف ، بل ليس من الكافى أن يقتنع العقل بسمو المبادئ الخلقية دون أن تصبح هذه المبادئ جزء لا يتجزأ من الشخصية والدافع الأساسى العميق الذى يعين السلوك ويوجهه.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال