المستوى البيداغوجي والبحث العلمي والتربوي.. الارتقاء بالمتعلم إلى أسمى درجات التربية والتكوين. المقاربة بالكفايات تستند إلى نظام متكامل من المعارف و الاداءات والمهارات المنظمة

على المستوى البيداغوجي، يتبنى الإصلاح الجديد مقاربة الكفايات، كبيداغوجيا جديدة بديلة عن بيداغوجيا الأهداف.
ومن بين أسباب التبني الرسمي لهذه المقاربة البيداغوجية:

- الارتقاء بالمتعلم إلى أسمى درجات التربية والتكوين، إذ أن المقاربة بالكفايات تستند إلى نظام متكامل من المعارف و الاداءات والمهارات المنظمة التي تتيح للمتعلم، ضمن وضعية تعلمية، القيام بالإنجازات والأداءات الملائمة التي تتطلبها الوضعية.

- تركيز الأنشطة على المتعلم، وبناء عناصر الوضعية التعلمية التعليمية وفق إيجابية المتعلم، حيث وظائف ومبادئ التعلم تتحدد في اعتبار المتعلم محورا فاعلا لأنه يبني المعرفة ذاتيا (التعلم الذاتي)، واعتبار كل أبعاد شخصية المتعلم العقلية والوجدانية والسيكوحركية.

- اعتبار الطرائق الفعالة (حل المشكلات، المشروع..) وتقنيات التنشيط واستراتيجيات التعلم الذاتي.

- اعتبار المدرس مسهلا لعمليات التعلم الذاتي، وذلك بما يوفره من شروط سيكوبيداغوجية وسوسيوبيداغوجية تتيح التعلم. (بيداغوجيا الكفايات، مصوغة تكوينية ص7)، بالإضافة إلى التربية على القيم والاختيار واتخاذ القرار.

ولقد نجح الإصلاح، إلى حد ما، في ترجمة هذه المنطلقات البيداغوجية في البرامج والناهج والكتب المدرسية.غير أنه يمكن لنا أن نسجل بعض الاختلالات في هذا المستوى، حيث هناك ضبابية وغموض فيما يخص مرجعية تحديد بيداغوجيا الكفايات "المغربية" تنظيرا وتطبيقيا.

فهناك من يعتمد المرجعية الأنجلوساكسونية التي تعتبر الكفايات مجرد جيل ثالث من بيداغوجيا الأهداف ليس إلا، وهناك من يعتمد المرجعية الفرانكفونية ذات الخلفيات المعرفية للمدرسة التكوينية والسوسيوبنائية، والمدرسة المعرفية الجديدة Cognitivisme؛ مما يجعل بعض الأحيان تختلط الأمور، وفي كل مرة يطرح السؤال: ماهي الكفايات؟!

كما نجد من جهة أخرى، سرعة الإصلاح وعدم مواكبته بالتأطير والتكوين النظري والتطبيقي لجل الفاعلين التربويين الأساسيين؛ كما أن تأليف الكتب المدرسية غالبا لا تحترم بدقة الشروط البيداغوجية الجديدة، مما يجعل بعضها يبتدئ بمدخل نظري للكفايات والبيداغوجية الحديثة، ثم بعد ذلك يضيع في تفاصيل بيداغوجيا الأهداف!

وفي الأخير،كيف لنا ان نطبق ببيداغوجيا الكفايات، كبيداغوجيا حديثة لمدرسة حداثية، وتعليمنا لا زال يتخبط في مظاهر تقليدية، على مستوى البنايات والتجهيزات التربوية والاختلالات البشرية (الاكتظاظ، تناسل الأقسام المشتركة، خصاص في الأطر، تخلف البنايات والوسائل الديداكتيكية التعليمية...).؟!

أما في ما يتعلق بالبحث، فقد كان قد خصص له الميثاق الدعامة11، حيث نص على أن يوجه البحث العلمي والتكنولوجي الوطني أساسا نحو البحث التطبيقي والتحكم في التكنولوجيا وملاءمتها مع دعم الإبداع فيها.. وأن ينظم البحث العلمي والتقني بطريقة ترفع من تماسكه وفعاليته، عبر مساهمة أكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات في تحديد السياسة الوطنية في مجال البحث العلمي والتكنولوجي، وعبر إعادة هيكلة الوحدات والمراكز العمومية للبحث القائمة من أجل إنشاء شبكات للمهتمين في نفس المجالات، وتشجيع المقاولات للانضمام إليها؛ وعبر توطيد الوجائه interfaces بين الجامعات والمقاولات لترسيخ البحث؛ العمل على الرفع التدريجي من الإمكانيات العمومية والخاصة المرصودة للبحث العلمي والتقني، وإمكانية إحداث صندوق وطني لدعم البحث والإبداع يمول من طرف الدولة والمقاولات العمومية والخاصة وهبات الخواص ومنح التعاون الدولي؛كما يتعين نشر كل سنيتين تقرير تقويمي تحت مسؤولية السلطة الحكومية الكلفة بالبحث العلمي والإبداع التكنولوجي.(الميثاق)

ونحن ندخل السنة السابعة من تطبيق الإصلاح، إلى أين وصلت هذه المشاريع/الأحلام الضخمة المتعلقة بالبحث العلمي ومؤسساته؟
أين هو تقرير البحث العلمي لنتمكن من الوقوف على الإنجازات والإخفاقات؟
ولا ندري هل يقصد بالبحث العلمي فقط البحث الاقتصادي والتكنولوجي، أم البحث التربوي والبحوث العلمية الإنسانية أيضا؟
هل توجد أبحاث علمية تربوية ميدانية أشرفت عليها الدولة لبناء الإصلاح ومسايرته تقييميا وتقويميا؟

هذه الأسئلة وغيرها تبقى معلقة وفي حاجة إلى إجابات رسمية لتنوير الرأي العام التربوي والاطمئنان على جدية الإصلاح.
فـ"التقدم هو العلم الذي يتحول إلى ثقافة كما يقول "روني ماهو" (مدير سابق لليونسكو)، كيف يمكننا أن نحقق هذا التقدم والتنمية المؤملة، والبحث العلمي والإنساني والتربوي خاصة، لا زال مهمشا إلى حد كبير في سياساتنا وقراراتنا، فمؤسسات وميزانيات البحث العلمي لا زالت ضعيفة وبدون الفعالية الحقيقية والميدانية، فمثلا، الميزانية المرصودة برسم 2003 قدرت ب%0,79، في حين ومن أجل تفعيل بحث علمي قوي وفعال يلزم على الأقل%3 من الناتج الداخلي الإجمالي.

وربما من بين الأسباب الحاسمة في إخفاقات الإصلاحات أنها لا تنطلق من بحث علمي وميداني حقيقي عند صناعة قراراتها وتخطيطاتها الواقعية والمستقبلية.

ولماذا، مثلا، لا يتم تشجيع ودعم الكفاءات التربوية التي تعمل في الميدان للقيام بأبحاث ودراسات علمية في حقلهم التربوي، أكيد ستكون فعالة ومفيدة لمنظومة التربية والتكوين،لكونهم يوجدون في الميدان.

كما نسجل غياب بنية تحتية مدرسية، على مستوى التعليم الابتدائي خاصة، للتربية على البعد التجريبي والتطبيقي العلمي، وبالتالي التربية على منهجية التفكير العلمي منذ المراحل الاولى من الطفولة؛ كما نسجل بأن الغلاف الزمني لمادة النشاط العلمي في السنوات1و2،و 3 و4و5و6 من التعليم الابتدائي،لا تشكل سوى%5,35 من مجموع الغلاف الزمني للمواد المدرسة بالابتدائي.

رغم ما يبدل من جهد في هذا المستوى، لا زالت عدة اختلالات قائمة، وربما في تصاعد، أمام بطء وعدم التدخلات الرسمية المتعددة، وأمام غياب الحماس والجدية الكافية لدى الفاعلين والمسؤولين أنفسهم.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال