إن من الأخلاق المندوبة والسجايا المطلوبة خلق الرحمة والتراحم بين الناس إذن فالرحمة في أفقها الأعلى وامتدادها المطلق صفة المولى عزوجل فهي تعم الوجود والكائنات فرحمة الله تبلغ ما بلغ علمه وعلمه وسع كل شيء تصيب النملة في حجرها والحوت في البحر والجنين في بطن أمه كما ثبت في صحيح البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول [جعل الله الرحمة مائة جزء فامسك عنده تسعا وتسعين جزءا وأنزل في الأرض جزءا واحدا فمن ذلك الجزء تتراحم الخلق حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه] ما أعظم رحمة الله حتى تكون تذكرة للعبد المسلم فيكون رحيما بعباد الله شفيقا بهم يحب لهم ما يحب لنفسه ويكره عنهم ما يكره لنفسه ولذا يقول ابن عثيمين رحمه الله عند قوله تعالى {وتواصوا بالمرحمة } أي أوصى بعضهم بعضا أن يرحم الآخر، والرحمة لا تكون بين بني البشر فحسب بل تشمل الكائنات الأخرى فكلنا يعلم قصة الرجل الذي اشتد عليه العطش وهو يمشي فوجد بئرا فنزل فيها وشرب ثم خرج فإذا كلب يلهث من شدة العطش فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان قد بلغ مني فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له . فتعجب الصحابة من ذلك فقالوا يارسول الله وإن لنا لأجرا في هذه البهائم فقال عليه الصلاة والسلام في كل كبد رطب أجر، ونهى الإسلام عن تعذيب الحيوان فيروي لنا عبد الله ابن عمر عن رسول الله انه قال [ عذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت فدخلت فيها النار ] ما أحوجنا إلي تطبيق هذه الشريعة في حياتنا التي أقامت العدل وأرست دعائمه بين بني البشر وغيره وخاصة في زماننا هذا التي انعدمت فيها الرحمة ونرى الدمار والقتل في كل مكان وأصبحت الدول والهيئات التي تدعي أنها تسهر على حفظ ورعاية حقوق الإنسان تكيل بمكيالين وتوظيف العدل والرحمة حسب هواها ومصالحها ولكن ما يدمي القلب ويدخل الحزن فيه عندما ترى المسلمين يتقاتلون فيما بينهم ونسو أن دعوة محمد تتميز بالرأفة والرحمة والمحبة قال تعالى في كتابه العزيز {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم }التوبة 127 . فعلم الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه هذه الرحمة حتى صار أشدهم وأقساهم قلبا من أرحم الناس فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان من أقسي الناس في الجاهلية ولكن عندما دخل الإيمان في قلبه وذاق حلاوته أصبح من أرحم الناس يأتي ليصلي بالناس فلم يسمع الناس قراءته من البكاء وكان في خديه خطان من أثر البكاء فكان يقول والله ما نمت منذ ثلاث ليال فقد جعل الله في عنقي الأرملة والمساكين والشيوخ والأيتام. هذه هي الرحمة التي زرعها المصطفى في قلب أصحابه وينبغي أن نقتدي بهم ونزرع الرحمة والعطف والتواد في قلوب الناس حتى ننعم بالأمان وتكون الرحمة عنوان المجتمع.
ياسين فارح نظيف
التسميات
من الحياة