إن التحليل العلمى بطبيعة الرجل والمرأة من الوجهتين الجسمية والنفسية يؤدى بنا إلى نتيجة هامة وهى أن الزواج ليس أمراً عرضياً ، يوجد فى ظروف إجتماعية معينة، ويتغير ويتلاشى إذا تغيرت هذه الظروف، بل هو أمر ملازم لطبيعة الإنسان وعنصر جوهرى ضرورى لكى تكتمل الحياة البشرية.
والزواج فى لبه وأساسه هو قبول كل من الرجل والمرأة أن يعيشا معاً حتى الموت فى ظل الشرع والأخلاق أى أن معنى الزواج يستلزم حتما معنى البقاء والدوام والإستقرار ، غير أن المهم هو ليس تحقيق الدوام والإستقرار بطريقة خارجية مادية على الرغم من الشقاق الداخلى وتوتر الحياة الزوجية بل المهم هو أن يقوم الإستقرار والدوام على أساس من الوئام ولتقوية هذه الرابطة الجسمية والمعنوية فى آن واحد والتى تجعل من الزوج والزوجة وحدة متماسكة متضامنة الأطراف، ويمكن تلخيص جميع الشروط التى تضمن بقاء هذه الوحدة وتنميتها فى كلمة واحدة وهى (الوفاء).
إن الزواج الناجح السعيد ليس أسطورة من الأساطير بل أمر فى وسع الطبيعة البشرية أن تحققه بشرط أن نفهم جوهر هذه الطبيعة وما يلائمها من نظم اجتماعية بشرط أن نعمل بكل إخلاص لتهيئة الظروف المناسبة لتنمية جميع إمكانيات الإنسان ولصيانة النظم الإجتماعية الكفيلة بتنمية هذه الإمكانيات إلى أقصى حد ، فلا شك أن الزواج نظام يخضع لقيود إجتماعية معينة وأن الرابطة التى تربط بين الزوج والزوجة يجب أن تكتسب صفة شرعية ، وقد اتخذ الزواج فى تاريخ الإنسانية صوراً مختلفة تحت تأثير بعض العوامل الإقتصادية أو الدينية غير أن هناك صفة ثابتة تلازم الزواج فى جميع المدنيات القديمة والحديثة وهى صفة الدوام والإستقرار فالرابطة الزوجية رابطة مستديمة لا يقطعها إلا الموت ، وهذه الصفة متأصلة فى الطبيعة البشرية وينطبق أيضاً على الحياة الجنسية فالإنسان يميل إلى تحقيق صورة ثابتة مستقرة من العلاقة الجنسية وهذه الصورة تتحقق فى الزواج الدائم المستقر ، ثم يجب أن نذكر أن لبّ الزواج ليس الحب وحده بل أمر يفوق الحب فى عمقه وشموله ، إن عالم الحب عالم مغلق فى حين أن الزواج متجه إلى الخارج نحو عالم النشاط والإنتاج فمخمة الزوجه أن تتوسط بين زوجها وبين العالم الخارجى، أن تزيد من قدرته وكفاءته، فرضاها وتقدير لنشاط زوجها فى مهنته من أهم أسباب نجاحه فى كفاحه اليومى وهذا لون من ألوان الوفاء بين الزوجين.
ولكى نفهم تماماً طبيعة الوفاء الخالص الذى يقوم عليه الزواج المثالى يجدر بنا الوقوف قليلاً عند طبيعة الزواج من الناحية السيكولوجية وأن نكشف عن سمته الجوهرية بعد أن نستعرض أهم عناصره كما تبدو لنا خلال خبرتنا النفسية.
لاشك فى أن الزواج المثالى يستلزم وجود عنصرين أساسيين هما الجاذبية الجنسية أولا ً ثم الحب . غير أن الزواج المثالى لا يمكن أن يقوم على الجاذبية الجنسية وحدها لأنها معرضة للتغير والزوال كسائر الأمور الحسية ولابد من لأن تدعمها عاطفة الحب ، وحتى الحب وحده لا يكفى لإقامة الزواج المثالى لأنه هو أيضاً عرضة للتقلب والزوال بل للإنقلاب إلى ضده خاصة عندما يأخذ صورة الولوع والغرام ، فالحب الذى لا يندمج فى الحياة الزوجية ولا يستمد منها أسباب النمو البقاء هو بمثابة مغامرة يستسلم لها الإنسان دون وعى أحياناً ودون أن يدرى أبداً كيفية تطورها ووقت إنتهائها ، ففى الحب من حيث هو اندفاع عاطفى جانب غريزى لا إرادى ولهذا السبب قد يصاب بتطورات فجائية تؤدى به إلى الفتور والزوال أو تحوله إلى مأساة مؤلمة أما الحب فى ظل الحياة الزوجية فإنه يكتسب روحاً جديدة لأن الزواج مهمة جدية تقوم على جانب كبير من التفكير الموجه ومن العزم الإرادى ولذلك لا نلوم أنفسنا إذا خاننا الحب ولكن فشلنا فى الزواج يترك فينا دائماً الشعور بأننا أخطأنا وأسأنا التصرف. ولكن على الرغم من أن الحب ليس هو أساس الزواج وجوهره ، غير أنه يؤدى دوره الضرورى فى جميع مراحل الحياة الزوجية فبفضل الحب يكتشف الإنسان من هو جدير بأن يشاركه فى حياته ، لأن عاطفة الحب وسيلة من وسائل المعرفة قد تفوق فى دقتها ونفوذها وسائل المعرفة العقلية البحتة ، وبفضل الحب تتلون الحياة الزوجية بألوان زاهية فيشع فى الجو العائلى روح الأمل والتفاؤل وتصبح الأعباء اليومية أيسر وأخف وطأه وعلى الرغم من تطوره مع السنوات يظل الحب الزوجى هو مبعث الاطمئنان والهناء.
غير أن جوهر الزواج ليس الجاذبية الجنسية ولا الحب نفسه بل كما قلنا تحقيق هذه الرغبة العميقة فى الإنسان إلى أن يكون مع الشطر الثانى الذى يكمله ، ولهذا السبب تظل الرابطة قوية بين الزوجين بعد أن تكون الحواس هدأت فسعادتهما هى أن يكون الواحد مع الآخر أن يجلس معه ، أن يعيش معه ، أن يشاركه جميع ظروف الحياة فى السراء والضراء.
ويعتقد بعض الشبان أن العامل الأساسى للسعادة الزوجية التشابه التام بين الزواجين من حيث الأذواق والأفكار والإتجاهات العاطفية ، فكل واحد من العروسين يريد أن يجد فى الآخر صورة صادقة لنفسه وأن الاتحاد بين النفسين يجب أن يقوم على تجاوب تام بينهما . إن طلب مثل هذا التجاوب التام ينطوى على خداع خطير ولابد أن يؤدى إلى الخيبة ، فالإتحاد فى الغرض لا يعنى بالضرورة الإتحاد الإتحاد التام فى العواطف والأراء والإستجابات الحسية والإنفعالية ، إن الإلحاح الذى يبديه أحد الزوجين فى أن يكون الآخر شبيهاًبه كل المشابهة لا يرجع إلى قوة الحب وكماله بل إلى ضعفه ونقصانه فهو دليل على عدم نضج الحب ، وكأن الشخص عاجز عن أن يحب شخصاً آخر سوى نفسه، والإسراف فى حب الشخص لنفسه صورة من صور الحب كما يشعر بها الطفل ، ومثل هذا الموقف يؤدى إلى عرقلة التكيف الجنسى فى بدء الحياة الزوجية إذ يكون الدور الذى يؤديه الزوج أو الزوجة دور الطفل المدلل.
فمن الواجب إذاً على الزوجين الحديثين أن ينظر كل واحد منهما إلى الآخر على أنه يواجه كائناً حياً وشخصياً واقعياً لا وجهة جنسية بحتة كما لا ينظر إليه من وجهة مثالية وروحية بحتة فيجرده من حساسيته ومن ميوله الجنسية. وليست هذه النظرة الروحية البحتة دليلاً على الإحترام والتقدير بل مبعثها هو الخوف بل أحياناً الكبت المرضى.
التسميات
سعادة زوجية