أسباب قسوة القلب.. تعلق القلب بالدنيا والركون إليها ونسيان الآخرة ومصاحبة أصدقاء السوء، والجلوس في الأجواء الفاسدة وكثرة الوقوع في المعاصي والمنكرات بحيث تصبح شيئاً مألوفاً

لقسوة القلب أسباب كثيرة ومتعددة وبعضها أكثر خطورة من الآخر، وتزداد القسوة كلما تعددت الأسباب، ولعل أهم هذه الأسباب ما يلي:

1- تعلق القلب بالدنيا والركون إليها ونسيان الآخرة:
وهذا من أعظم الأسباب التي تقسي القلوب، فإن حب الدنيا إذا طغى على حب الآخرة تعلق القلب بها، وضعف إيمانه شيئاً فشيئاً حتى تصبح العبادة ثقيلة مملة، ويجد لذته وسلواه في الدنيا وحطامها حتى ينسى الآخرة أو يكاد، ويغفل عن هادم اللذات، ويبدأ عنده طول الأمل، وما اجتمعت هذه البلايا في شخص إلا أهلكته.

والدنيا شِعب ما مال القلب إلى واحد منها إلا استهواه لما بعده، ثم إلى ما بعده حتى يبتعد عن الله تعالى، وعندها تسقط مكانته عند الله، ولا يبالي الله في أي واد من أودية الدنيا هلك والعياذ بالله.

إن هذا العبد نسي ربه وأقبل على الدنيا مجلاً لها ومكرما، فعظم ما لا يستحق التعظيم، واستهان بما يستحق التعظيم والإجلال والتكريم، فلذلك كانت عاقبته من أسوأ العواقب.

يقول أحد السلف: (ما من عبد إلا وله عينان في وجه يبصر بهما أمر الدنيا، وعينان في قلبه يبصر بهما أمر الآخرة، فإذا أراد الله بعبد خيراً فتح العينين اللتين في قلبه، فأبصر بهما ما وعد الله بالغيب، وإذا أراد به غير ذلك تركه على ما فيه، ثم قرأ{أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (محمد:24).

2- الغفلة:
وهي داءٌ وبيل، ومرض خطير إذا استحوذ على القلوب، وتمكن من النفوس، واستأثر على الجوراح والأبدان أدى إلى انغلاق كل أبواب الهداية، وحصول الطبع والختم على القلوب {أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (النحل: 108).

يقول ابن القيم واصفاً حال أكثر الخلق: (ومن تأمل حال هذا الخلق وجدهم كلهم إلا قليل ممن غفلت قلوبهم عن ذكر الله تعالى، واتبعوا أهواءهم، وصارت أمورهم ومصالحهم فرطاً، أي فرطوا فيما ينفعهم ويعود بصالحهم، واشتغلوا بما لا ينفعهم بل يعود بضررهم عاجلاً و آجلاً) اهـ.

وأخبر الله تعالى عن أصحاب الغفلة أنهم أصحاب قلوب قاسية لا ترق ولا تلين، ولا تنفع بشيء من الموعظة، فهي كالحجارة أو أشد قسوة، ولهم أعين يشاهدون بها ظواهر الأشياء، ولكنهم لا يبصرون بها حقائق الأمور، ولا يميزون بها بين المنافع والمضار، ولهم آذان يسمعون بها الباطل كالكذب والغناء والفحش والغيبة والنميمة ولا ينتفعون بها في سماع الحق من كتاب الله وسنة نبيه محمد ‘ فأنى لهؤلاء الفوز والنجاة وتلك حالهم، وأنى لهم الهدى والاستقامة وتلك طريقتهم.

يقول سبحانه: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (الأعراف: 179).

3- مصاحبة أصدقاء السوء، والجلوس في الأجواء الفاسدة:
وهذا السبب من أكثر الأسباب تأثيراً، وذلك لأن الإنسان سريع التأثر بمن حوله، فالشخص الذي يعيش في وسط يعجُ بالمعاصي والمنكرات، ويجالس أناساً أكثر حديثهم عن اللذات المحرمة والنساء، ويكثرون المزاح والضحك والنكات وسماع الغناء ورؤية المسلسلات، هذا الشخص لا بد أن يتأثر بهؤلاء الجلساء وطبعه يسرق من طبعهم، فيقسو قلبه ويغلط، ويعتاد على هذه المنكرات.

4- كثرة الوقوع في المعاصي والمنكرات بحيث تصبح شيئاً مألوفاً: 
فإن المعصية ولو كانت صغيرة فإنها تمهد الطريق لأختها حتى تتابع المعاصي ويهون أمرها، ولا يدرك صاحبها خطرها، وتتسرب واحدة وراء الأخرى إلى قلبه، حتى لا يبالي بها، ولا يقدر على مفارقتها ويطلب ما هو أكثر منها، فيضعف في قلبه تعظيم الله وتعظيم حرماته، كما أنها تضعف سير القلب إلى الله والدار الآخر وتعوقه أو توقفه فلا تدعه يخطوا إلى الله خطوة، فالذنب يحجب الواصل، ويقطع السائر، وينكس الطالب.

ولهذا يقول النبي: (إن العبد إذا أذنب ذنباً نكت في قلبه نكتة سوداء، فإذا تاب ونزع واستغفر صُقل قلبه، وإن زاد زادت حتى تعلوا قلبه، فذلك الران الذي ذكره الله عز وجل {كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (المطففين: 14) ([1]).

5- نسيان الموت وسكراته:
والقبر وأهواله، وعذابه ونعيمه، ووضع الموازين، ونشر الدواوين، والمرور على الصراط، ونسيان النار وما أعد الله فيها لأصحاب القلوب القاسية.

6- الاشتغال بما يفسد القلب ويقسيه:
ومفسدات القلب خمسة ذكرها ابن القيم وهي كثرة الخلطة، وركوب بحر التمني، والتعلق بغير الله، وكثرة الطعام، وكثرة النوم.

([1]) رواه أحمد والترمذي وحسنه الألباني.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال