الرهانات الممكنة لمواجهة تحديات العولمة بالمغرب.. إقامة الصلات الوثيقة بين الاقتصاديات المختلفة واحتدام التنافس داخل مختلف الأسواق

يسود الساحة نقاش نشيط حول العولمة بالتحديد ، وحول الفرص التي تتيحها هذه الأخيرة والمخاطر التي تحملها إلى الإقتصاد الوطني. والحال أن مسألة اندماج الاقتصاد الوطني هذا في المبادلات الدولية للمنتوجات والخيرات والخدمات لن يكون غدا إلا على الصورة التي هو عليها اليوم، وذلك في قلب مسلسل التغيير القائم في الفترة الراهنة والراحل ببلادنا صوب الأزمنة الآتية.
إن العولمة تعني إقامة الصلات الوثيقة بين الاقتصاديات المختلفة ، واحتدام التنافس داخل مختلف الأسواق ضمت ديناميكية دولية لعوامل الانتاج متزايدة يوما عن يوم ، ومادامت العولمة في حد ذاتها مسلسلا لعمليات تحول متعاقبة وليست حالة قارة أو وضعا من الأوضاع ، فإنها بالتالي تعبر عن إدارة قوية ونافذة في الانفتاح على المبادلات الخارجية للخيرات والخدمات من لدن الاقتصاديات الوطنية.
وإن هذا التوجه للعولمة بالذات ليجد تفسيره في تظافر وتفاعل ثلاثة عوامل رئيسية: 
 ** تخفيض الحواجز والمستحقات على المبادلات ؛
** تسريع وتيرة الابتكار في ظل تنافس بالغ القوة ؛
** تدفق الاستثمارات الخارجية في كل الاتجاهات وتحقيق الشملنة المالية .
وإن هذا التوجه الحتمي للاقتصاد العالمي هو الذي يرتب المخاطر التي يراها المغاربة على الخصوص محدقة بمستقبلهم الاقتصادي والاجتماعي ، مثلهم في ذلك كمثل باقي البلدان السائرة في طريق النمو . 
وهناك ظواهر أربع جلية ذات أهمية متزايدة تميز الرؤية الجديدة لعالم مندمج بواسطة الانتاج والمال والمبادلات والذي يسير إليه التوجه المذكور وهي :
1- التقلص النسبي لحجم العالم بفعل تطور وسائل الإعلام والاتصال والتواصل؛
2- ظاهــرة الاستـــقطاب الثلاثي التي يقسم العالم إلى ثلاثة انجذابات : " الشمال – جنوب ، والبلدان الصناعية الجديدة، والبلدان الأقل تقدما"؛
3- تزايد التنافر بين المحلي الإقليمي والوطني وإفضاء ذلك إلى مفهوم جديد للسيادة الاقتصادية؛
4- شملنة القوانين المتحكمة في سير القطاعات الاقتصادية ، وخاصة منها القطاع الصناعي.
وإن هذه المعطيات لتنم عن وجود احتمال أكثر قوة بتعميق مسلسل عولمة الاقتصاديات وتكثيف هذا المسلسل مستقبلا.
ومن الجدير بالإشارة وبلفت النظر، أن علينا والحالة هذه أن نحترس من منزلقين اثنين على الخصوص: 
الأول : يمكن في الاستهانة بالإكراهات، والاعتقاد بالتالي بأن الاقتصاد الوطني قادر على الانفلات من كماشة التطورات التي يشهدها مسلسل العولمة ، كأن نميل إلى انتهاج سياسة حمائية . والحال  أن مثل  هذه الاختيارات لايقود إلا إلى العزلة وإلى الوقوف في الوقت الذي تتحرك فيها باقي أطراف العالم الأخرى إلى الأمام، أو على الأقل، نحو مصير عالمي كوني مشترك ومحتوم .
الثاني : يتجلى ، بعكس  سابقه ، في استعظام تلك الإكراهات ، والنظر بالتالي إلى الاقتصـــاد الوطني كما لو كان قاصرا وعاجزا عن مسايرة الركب العالمي ، وهذا ينجم عادة عن اعتبار الاكراهات الخارجية وحدها المتسببة في المصاعب الاقتصادية . والواقع أن مثل هذا الاستعظام يؤدي إلى انتهاج سياسة التحمل أو التكيف السلبي مع سيرورة المحيط الدولي وتطوره.
ويبقـــى النهج الأمثل بإزاء الإكراهات المذكورة هو دعم الثقة في البعد الوطني ، وجعل هذا البعد مجالا مفضلا للقيام بأعمال وجهود جماعية تؤطرها الدولة وتحفزها ، وموازاة مع هذا التوجه، ينبغي توفير الشروط الضرورية للنمو وتعبئة الوسائل المتاحة لتحقيق اندماج أمثل للإقتصاد الوطني في الاقتصاد الدولي.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال