آداب الأخوة في الله والحب والبغض فيه سبحانه وتعالى.. حقت محبتي للذين يتزاورون من أجلي

المسلم بحكم إيمانه بالله تعالى لا يحب إذا أحب إلا في الله، ولا يبغض إذا أبغض إلا في الله، لأنه لا يحب إلا ما يحب الله ورسوله، ولا يكره إلا ما يكره الله ورسوله، فهو إذًا بحب الله ورسوله يحب وببغضهما يبغض، ودليله في هذا قول الرسول (ص) «من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان»([1]).

وبناء على هذا فجميع عباد الله الصالحين يحبهم المسلم ويواليهم، وجميع عباد الله الفاسقين عن أمر الله ورسوله يبغضهم ويعاديهم، غير أن هذا غير مانع للمسلم أن يتخذ إخوانا أصدقاء في الله يخصهم مزيد محبة ووداد، إذ رغب الرسول (ص) في اتخاذ مثل هؤلاء الإخوان والأصدقاء بقوله: «المؤمن ألف مألوف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف»([2]).

وقوله: «إن حول العرش منابر من نور عليها قوم لباسهم نور، ووجوههم نور ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم النبيون والشهداء» فقالوا: يا رسول الله، صفهم لنا فقال: «المتحابون في الله، والمتجالسون في الله، والمتزاورون في الله»([3]).

وقوله (ص) «إن الله تعالى يقول: حقت محبتي للذين يتزاورون من أجلي، وحقت محبتي للذين يتناصرون من أجلي»([4]).

وقوله (ص): «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه ورجلان تحابا في الله فاجتمعا على ذلك، وتفرقا عليه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه، ورجل دعته امرأة ذات حسب وجمال فقال: إني أخاف الله تعالى، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه»([5]).

وقوله (ص): «إن رجلاً زار أخًا له في الله فأرصد الله له ملكًا، فقال: أين تريد؟ قال أريد أن أزور أخي فلانًا فقال: لحاجة لك عنده؟ قال؟ لا، قال لقرابة بينك وبينه؟ قال: لا، قال: فبنعمة لك عنده؟ قال: لا، قال: فبم؟ قال: أحبه في الله»، قال: «فإن الله أرسلني إليك أخبرك بأنه يحبك لحبك إياه، وقد أوجب لك الجنة»([6]).

(وشرط هذه الأخوة) أن تكون لله وفي الله بحيث تخلو من شوائب الدنيا وعلائقها المادية بالكلية، ويكون الباعث عليها الإيمان بالله لا غير.

وأما آدابها فهي أن يكون المتخذ أخًا:
1- عاقلا، لأنه لا خير في أخوة الأحمق وصحبته، إذ قد يضر الأحمق الجاهل من حيث يريد أن ينفع.

2- حسن الخلق، إذ سيئ الخلق وإن كان عاقلاً فقد تغلبه شهوة أو يتحكم فيه غضب فيسيء إلى صاحبه.

3- تقيا لأن الفاسق الخارج عن طاعة ربه لا يؤمن جانبه، إذ قد يرتكب ضد صاحبه جريمة لا يبالي معها بأخوة أو غيرها لأن من لا يخاف الله تعالى لا يخاف غيره بحال من الأحوال.

4- ملازمًا للكتاب والسنة بعيدًا عن الخرافة والبدعة، إذ المبتدع قد ينال صديقه من شؤم بدعته، ولأن المبتدع وصاحب الهوى هجرتهما متعينة، ومقاطعتهما لازمة، فكيف تمكن خلتهما وصداقتهما.

وقد أوجز هذه الآداب في اختيار الأصحاب أحد الصالحين فقال يوصي ابنه: يا بني إذا عرضت لك على صحبة الرجال حاجة فاصحب من إذا خدمته صانك، وإن صحبته زانك، وإن قعد بك مؤونة مانك، اصحب من إذا مددت يدك بخير مدها، وإن رأى منك حسنة عدها، وإن رأى سيئة سدها: اصحب من إذا سألته أعطاك وإن سكت ابتداك، وإن نزلت بك نازلة واساك، اصحب من إذا قلت صدق قولك، وأن حاولتما امرًا أمرك، وإن تنازعتما شيئا آثرك».

([1]) رواه أبو داود وغيره.
([2]) رواه أحمد والطبراني والحاكم وصححه.
([3]) رواه النسائي وهو صحيح.
([4]) رواه أحمد والحاكم وصححه.
([5]) رواه البخاري.
([6]) رواه مسلم.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال