ألفريد هيتشكوك والخوف من الأماكن المرتفعة.. الهوس والعجز والحب الرومانسي والخيانة

تتوزع أهمية الاشرطة التي انجزها المخرج الفريد هيتشكوك طوال حياته السينمائية، والحقيقة ان المخرج نفسه لايفاضل بين أشرطته، بل لايكاد يهتم بالمفاضلة، ولا يعتبر نفسه مخرجا وجد لكي يشارك في المهرجانات وينال تقدير النقاد، بل هو لاينظر بعين الرضى لما يقوله النقاد أصلا، ولولا بعض الاصوات النقدية التي جاءت من فرنسا ومن مجلة كراسات السينما تحديدا وألقت أهمية خاصة باشرطته وركزت عليها الاضواء النقدية، لما وصل هيتشكوك إلى أن يكون معلما وأحد أهم المخرجين في السينما العالمية.

يهتم هيتشكوك بالجمهور أولا وأخيرا، وفي ذلك لايكاد يخرج عن المنظور الامريكي العام الذي يحسب الشريط بعدد التذاكر.

لقد اختلف النقاد حول أهم الاشرطة التي قدمها هيتشكوك، فمنهم من اعتبر شريط (سايكو) هو الأفضل، وهو انتاج عام 1960م، ومنهم من اعتبر أن شريط (شمال وشمال غرب ـ 1959م) هو الاقوى، واحيانا يبرز شريط الطيور ويبرز ايضا شريط النافذة الخلفية وبالطبع لايمكن نسيان شريط ربيكا، وفوق ذلك الشريط الشهير (الدوار ـ 1958م) الذي اعتبره بعض النقاد الشريط الأهم بعد (المواطن كين).

تعود اصول الموضوع الى قصة فرنسية شهيرة بعنوان (ديابوليك) وقد تحولت الى شريط شهير اعيد انتاجه بعد ذلك اكثر من مرة، لقد حاول هيتشكوك أن يشتري حقوق الرواية من الكاتبين (بييد بويلو وتوماس نارسيجاك) ولكن ذلك لم يحدث، وجاءت قصة الدوار بديلا للقصة الأولى تقول المصادر بأن موضوع الشريط يعتمد على شخصية رئيسية وهو مخبر خاص لكنه يعاني من مرض (الخوف من الأماكن المرتفعة) ومن هنأ جاء العنوان (دوار) يقوم ببطولة الشريط الممثل (جيمس ستيوارت) والذي عمل مع هيتشكوك في اربعة اشرطة سابقة وكان هذا الشريط هو آخر الاشرطة المشتركة.

اما الممثلة فقد كانت كيم نوفاك، وقد اضافت الى الشريط الكثير من الغموض النسائي فيما بدأ جيمس ستورات غير حيويا بسبب كبر سنه.

قصة الشريط متداخلة ومتشابكة وليست بسيطة، ولهذا استقبل الشريط في البداية بالكثير من ردود الافعال السلبية، ولكن بعد ذلك نجح الشريط على المستوى النقدي والتجاري.

بعد أن استقال من عمله بالشرطة، بسبب خوفه من الأماكن المرتفعة وبالتالي كان سببا في موت أحد رفاقه، يصبح ستوارات مخبراً خاصا، ويعمل في البداية مع أحد الاغنياء، حيث يطلب منه تعقب زوجته وتتشابك الاحداث الى النهاية عندما تبدوا ان هناك جريمة مدبرة، مثل كل اشرطة هيتشكوك.

لقد ابتكر المخرج طريقة العرض الخلفي في التصوير واشتمل ذلك على الحيل والخدع وتوزيع الاضاءة، مما زاد من عنصر التشويق.

أما الموسيقي فقد اختيرت من معزوفات ريتشارد فاج... وصارت إحدى علامات السينما العالمية ويعاد تكرارها باستمرار الى حد الان.

ومثل العادة يتناول الشريط عدة موضوعات متكررة عند هيتشكوك ، ومن ذلك الهوس والعجز والحب الرومانسي والخيانة، كما ان المخبر يقع في حب المرأة التي يتعقبها ثم يجد نفسه مخدوعا، وهكذا تبدوا التفصيلات الصغيرة متداخلة تجمع القصة العاطفية في اطار بوليسي، مع تحليل لشخصية رجل تستحوذ عليه الهواجس والظنون والاحلام الغريبة المشوقة.

لم ينل شريط الدوار اي جائزة أوسكار، رغم انه قد ترشح لجائزتين الأولى جائزة الإخراج الفني الثانية جائزة هندسة الصوت.

لقد تميزت اشرطة هيتشكوك ببراعة في تشويق المشاهدين والاستحواذ على اهتمامهم طوال عرض كل شريط من أشرطته، وقد اقترنت تلك الاشرطة بمقومات فنية جمعت بين قوة السرد السينمائي وتحكمه احتقن في اداء الممثلين وجمال التصوير وروعة الموسيقى التصويرية وكل ذلك كان حاضرا في هذا الشريط.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال