عناية الإسلام بالتربية.. المنهج الإسلامي يتصف بالكمال والشمول ومراعاة جميع جوانب الحياة المادية والمعنوية

اهتم الإسلام بكل جوانب الحياة، قال تعالى: {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (177) سورة البقرة.

 وقد أولى التربية العناية البالغة،ذلك لأن المجتمع صغيرا كان أم كبيراً يؤثر تأثيراً بالغاً على سلوك الأطفال، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ (ص)، قَالَ: كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تَنْتِجُونَ إِبِلَكُمْ هَذِهِ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟ ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَاقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: {..فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (30) سورة الروم.[1]

فأمر طبيعيٌّ أن يصوغ الإسلام الفرد المسلم والأسرة المسلمة والمجتمع المسلم بمنهجه التربوي الفريد، الذي أنزله الله تعالى من عنده، ومن ثم لو قارنا بين المنهج الإسلامي في التربية وبين المناهج الأرضية الأخرى لوجدنا الفارق شاسعاً، ذلك لأن الأول من عند الله العليم الخبير بخلقه، وتلك من صنع الناس الذين لا يستطيعون أن يدركوا أسرار النفس الإنسانية. قال تعالى:{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (14) سورة الملك.

 ومن ثم فإنه يعتور تلك المناهج النقص والتغيير والتبديل والتركيز على بعض الجوانب وإهمال جوانب أخرى،ومن ثم لا يمكن لها – مهما نمقها أصحابها وزركشوها- أن تصلح النفس الإنسانية،وتوجد الإنسان الصالح.

بينما المنهج الإسلامي يتصف بالكمال والشمول، ومراعاة جميع جوانب الحياة المادية والمعنوية، ومن ثم فهو يرافق هذا الإنسان في رحلته الحياتية كلها منذ أن كان جنينا في بطن أمه إلى أن يموت،وما بعد الموت كذلك.

 ولذا فإن أصول التربية الإسلامية – والمستمدة أصلاً من القرآن والسنة وما يستنبط منهما- تختلف اختلافاً حادًّا عن أصول التربية الوضعية.
 وربما تلتقي معها في بعض الجزئيات ولكن أصول هذه الجزئيات مختلفة جدًّا.

 وقد أوهم أعداء الإسلام بأن سبب تقدمهم تلك المناهج التربوية والفكرية التي وضعوها، فما على المسلمين إذا أرادوا التقدم إلا استيراد تلك المناهج وتطبيقها في بلاد المسلمين ليلحقوا بالركب، ولكن الحقيقة غير ذلك.

 فقد استوردت هذه المناهج وطبقت في سائر بلاد المسلمين،ونحِّيَ المنهجُ التربوي الإسلامي،فلم يتقدم المسلمون، ولم يواكبوا ركب الحضارة، ولم تستطع تلك المناهج – الأرضية – أن توجد الإنسان الصالح، ولا المواطن الصالح، بل زاد الفساد، واستشرت المشكلات، يوما بعد يوم.

فاليابان لم تستورد تلك المناهج أصلاً، وإنما استوردت عناصر التقدم العلمي، وبقيت محافظة على ذاتيتها، فتقدمت تقدماً سريعاً خلال فترة قصيرة من الزمن.
أما نحن فلم نستورد من عند القوم إلا النفايات والمصائب، حتى نبقى تابعين لهم في كل شيء.

 وقد حذرنا رسول الله (ص) من سؤال أهل الكتاب، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (ص): لاَ تَسْأَلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ، فَإِنَّهُمْ لَنْ يَهْدُوكُمْ، وَقَدْ ضَلُّوا، فَإِنَّكُمْ إِمَّا أَنْ تُصَدِّقُوا بِبَاطِلٍ، أَوْ تُكَذِّبُوا بِحَقٍّ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، مَا حَلَّ لَهُ إِلاَّ أَنْ يَتَّبِعَنِي.[2]

وعَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ كُتُبِهِمْ وَعَندَكُمْ كِتَابُ اللهِ أَقْرَبُ الْكُتُبِ عَهْدًا بِاللَّهِ تَقْرَؤُونَهُ مَحْضًا لَمْ يَشُبْ.[3]

وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: لاَ تَسْأَلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ فَتُكَذِّبُوا بِحَقٍّ، أَوْ تُصَدِّقُوا بِبَاطِلٍ، فَإِنَّهُمْ لَنْ يَهْدُوكُمْ وَيَضِلُّونَ أَنْفُسَهُمْ، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلاَّ فِي قَلْبِهِ تَالِيَةٌ تَدْعُوهُ إلَى دَيْنِهِ كَتَالِيَةِ الْمَالِ.[4]

أما آن لهذه الأمة أن تصحو من هذا السهاد ؟!!.
هذا وقد انتبه عدد من المخلصين والغيورين على دينهم من أبناء هذه الأمة، لهذا الخطر المحدق بنا،فألَّفوا عددا جيدا من الكتب والأبحاث التي تعطينا البديل الإسلامي الصحيح، القادر على إنقاذ هذه الأمة مما ألمَّ بها، والأخذ بيدها صعدا نحو مدارج الكمال.

فإذا أخذنا بهذا المنهج فإننا نغدو خير أمة أخرجت للناس، كما قال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ..} (110) سورة آل عمران.
ونقود البشرية من جديد نحو برِّ الأمان بعد أن غاصت إلى الركب بالدماء والأشلاء.

والله تعالى يخاطبنا بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} (24) سورة الأنفال.

يا أيها الذين صدِّقوا بالله ربًا وبمحمد نبيًا ورسولا استجيبوا لله وللرسول بالطاعة إذا دعاكم لما يحييكم من الحق، ففي الاستجابة إصلاح حياتكم في الدنيا والآخرة،واعلموا - أيها المؤمنون - أن الله تعالى هو المتصرف في جميع الأشياء، والقادر على أن يحول بين الإنسان وما يشتهيه قلبه، فهو سبحانه الذي ينبغي أن يستجاب له إذا دعاكم; إذ بيده ملكوت كل شيء،واعلموا أنكم تُجمعون ليوم لا ريب فيه، فيجازي كلا بما يستحق[5].

[1]- صحيح البخارى- المكنز - (1358 ) وصحيح مسلم- المكنز - (6926) و صحيح ابن حبان - (1 / 337)(129-130).
[2]- مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 123) (14631) 14685- وفتح الباري لابن حجر - (13 / 525) ومختصر العلو - (1 / 59)  حسن.
[3]- مصنف ابن أبي شيبة - (13 / 460) (26951) صحيح موقوف.
[4]- مصنف ابن أبي شيبة - (13 / 460) (26952) المعجم الكبير للطبراني - (8 / 301) (9643) صحيح موقوف.
[5]- التفسير الميسر - (3 / 192) وانظر أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 1185) وفي ظلال القرآن - موافقا للمطبوع - (3 / 1494) وتفسير السعدي - (1 / 318) وتفسير الشعراوي - (/ 1171).
أحدث أقدم

نموذج الاتصال