الوضع اللغوي بالمغرب وعلاقته بتاثير التعدد اللغوي وتهميش البحث العلمي الرصين.. استخدام اللغة للتواصل اليومي والتطبيق ولأغراض اقتصادية والانفتاح على العالم الخارجي

الوضع اللغوي بالمغرب وضع إشكالي بفعل التعدد اللغوي غير المُتحمّل، الذي يشكل فسيفساء الخارطة اللغوية بالمغرب و ما نتج عن ذلك من اصطفافات إيديولوجية واعية أو شقية، و تهميش للبحث العلمي الرصين لمعالجة هذه الإشكالات البالغة التعقيد و التي لها تأثير حاسم - و إن كان لا يشكل مؤشرا مباشرا- على مستوى التنمية البشرية المستدامة لبلدنا...

وظاهرة التعدد ليست جديدة على المغرب بالنسبة للغة سكانه الأصليين (الأمازيغية)، فبفعل احتكاكه مع الأقوام و الحضارات الأخرى (فينيقية، وندال، رومان، عرب، إيبيريين...) فقد عرفت الأمازيغية كسائر لغات الأرض ظاهرة الاقتراض و التأثر... وغيرها.

أما على مستوى اللغة العربية، فإنه كذلك، للظاهرة جذور تاريخية تعود للفتوحات الإسلامية (ظاهرة لحن العامة) (ظاهرة الاقتراض) في جميع الأقطار الإسلامية.

أما في إفريقيا و المغرب، فإنه حسب ابن خلدون فقد« خالطت العرب فيها البرابرة... بوفور عمرانهم بها، فغلبت العجمة فيها على اللسان العربي... وصارت لغة أخرى ممتزجة، والعجمة فيها أغلب، فهي عن اللسان الأول أبعد».

ومنذ ذلك الحين أصبحت اللغة الغربية الفصحى بالنسبة للمغاربة من أصل عربي «لغة ثانية» بعد أن كانت أولى، وأصبحت للمغاربة من أصل أمازيغي« لغة ثالثة» باعتبار أن «اللغة الثانية» هي النسق المتولّد عن اختلاط الفصحى بالأمازيغية (العربية الدارجة)، وهو المعطى التاريخي / الموضوعي الذي سيؤثر على نقلها وتواترها وإيصالها عبر الأجيال، مما سيؤثر في تعلمها كلغة أم.

هذا مع استحضار المعطيات التاريخية اللاحقة المتمثلة في الاستعمار الغربي الذي بفعل تفوقه الاقتصادي، وهيمنته الحضارية والثقافية و اللغوية بالتالي، الشيء الذي أمعن في تعميق الإشكالات اللغوية التي يعرفها الوضع اللغوي بالمغرب حيث انضافت اللغات الغازية لتمعن في إلحاق الضيم بالنسق العربي الفصيح حسب تعبير الجاحظ.

وقد شكلت هذه اللغات الأجنبية – خاصة الفرنسية – عوامل بالغة الخطورة على التعايش الذي ميز اللغة العربية في اختلاطها بنسيبتها الأمازيغية (سامية/ حامية)، وهو ما نتج عنه، حسب تعبير الدكتور الفهري، تلوث في البيئة اللغوية المغربية عندما طغت فيها اللغة الأجنبية الداخلية على اللغة المحلية المُبوّأة عبر الثقافة والمعرفة والسلوكات اللغوية المحلية، وشوشت بالتالي على التعايش الذي كانت تعرفه البيئة اللغوية المغربية مجسدا في بيئة الازدواج:diglossia أو بيئة التعدد:multilinguism بين لغة معيار رسمية (العربية) ولهجات من نفس النسق اللغوي العام أو من نفس المنظومة الثقافية.

و الخلاصة أن الواقع بالمغرب على درجة كبيرة من التعقيد اللغوي، رغم أنه يبدي في الظاهر ثنائية لغوية بسيطة تتمثل فقط في اللغة العربية / الأمازيغية، إذ يمكن حسب د. اشتاتو استخلاص ثلاثة مستويات متميزة من التواصل اللغوي:

- أولا: المستوى التواصلي؛ وهو مستوى استخدام اللغة للتواصل اليومي والتطبيق؛ أي اللهجات الأمازيغية (تاريفيت، تشلحيت، تمازيغت) واللهجات العربية (الدارجة، الحسانية).

- ثانيا: المستوى الرسمي؛ أي مستوى استخدام اللغة لأغراض دينية، حكومية، و تعليمية أي اللغة العربية (لغة القرآن الكريم) واللغة العربية الكلاسيكية (أي الفصحى) والعربية المخزنية (ويقصد بها المراسلات الحكومية الرسمية المحررة بلغة خاصة بالمخزن) والعربية العصرية الموحدة، والعربية المستخدمة في وسائل الإعلام.

- ثالثا: المستوى الوظيفي؛ أي مستوى استخدام اللغة لأغراض اقتصادية والانفتاح على العالم الخارجي والتبادل والبحث (الفرنسية – الانجليزية – الاسبانية).
أحدث أقدم

نموذج الاتصال