واقعية التربية الإسلامية.. الحقائق الموضوعية المتوافقة مع الفطرة البشرية ومع القدرات الإنسانية

واقعية التوجيه الإسلامي واضحة ظاهرة للعيان من خلال الحقائق الموضوعية المتوافقة مع الفطرة البشرية،ومع القدرات الإنسانية، لا مع تصورات عقلية مجردة، ولا مع مثاليات لا مكان لها في حياة الإنسان.

ففي دائرة الأخلاق مثلاً تجد أن الإنسان يحب من يتصف بالمواصفات الأخلاقية الفاضلة، فتراه يحب الأمين الصادق العفيف الورع الخلوق، وينبذ الإنسان البذيء المنافق، النمام، والتوجيه الإسلامي في هذه الدائرة الخلُقية، وفي جميع شعب الحياة، يوجه الإنسان إلى السمو الأخلاقي الواقعي الذي يطمح إليه ويرغبه الإنسان بفطرته السليمة.

فالإنسان في واقعه يحب العدل والأمانة والإسلام يأمر بذلك، قال تعالى:
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} (58) سورة النساء.

 والإنسان في واقعه يحب من يحسن إليه،والإسلام يأمر بذلك،قال تعالى: {...وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (195) سورة البقرة.

 والإنسان في واقعه لا يحب الكبرياء، والإسلام يأمر بالتواضع، قال تعالى: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (18) سورة لقمان.

 والإنسان في واقعه يكره أن يغتابه أحد،والإسلام حرم ذلك،قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} (12) سورة الحجرات.

 والإنسان يكره أن يسخر منه أحد، والإسلام ينهى عن ذلك، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (11) سورة الحجرات.

فالإسلام واقعي في توجيهه للسلوك الأخلاقي؛ لأنه نزل من رب العالمين، العالم بما خلق، اللطيف الخبير، قال تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (14) سورة الملك.

وعندما يستسلم الإنسان لله تعالى يجد أنه في إطار واقعي صحيح،وأن الإسلام يحقق له الحياة الواقعية، من خلال التنشئة الصالحة، التي تعالج قضاياه التربوية بواقعية، فالشاب الذي جاء إلى النبي (ص) يستأذنه في الزنا، وجهه عليه الصلاة والسلام بما يحاكي واقعه وفطرته السليمة، فاقتنع وأقلع عن مراده، فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ (ص) فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ وَقَالُوا: مَهْ. مَهْ. فَقَالَ: ادْنُهْ، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا. قَالَ: فَجَلَسَ قَالَ: أَتُحِبُّهُ لأُمِّكَ؟ قَالَ: لاَ، وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأُمَّهَاتِهِمْ. قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لاِبْنَتِكَ؟ قَالَ: لاَ، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ: وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ. قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لأُخْتِكَ؟ قَالَ: لاَ، وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأَخَوَاتِهِمْ. قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟ قَالَ: لاَ، وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ. قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟ قَالَ: لاَ، وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالاَتِهِمْ. قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ.[23]

ففي هذا الحديث دلالة واضحة على أن العلاج النبوي التربوي كان واقعيا يغرس في الإنسان حب الفضيلة والعمل بها، وكره الرذيلة واجتنابها، وهذا الأمر لا يستغرب.

فالتشريع الإسلامي لا يأمر بفضيلة إلا وواقع الفطرة السليمة يرضاها ويحبها، ويحب من يتصف بها، ولا ينهى عن رذيلة إلا وواقع الفطرة السليمة يبغضها ويكرهها، ويأنف المرء أن يتصف بها، فهو هو الدين القيم، قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (30) سورة الروم.[24].

[22]- انظر سمات التربية الإسلامية وطرقها -أ.د. عجيل جاسم النشمي.
[23]- مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 407)(22211) 22564- صحيح.
[24]- أصول التربية الإسلامية الحازمي  ص 52 فما بعد.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال