عقوق المراهق أو عناده هل هو تحدي وإثبات للذات أم قلة أدب واحترام.. السلطان الأكبر على النفوس جميعًا هو سلطان الإحسان والفضل

1- عناد ابنك معك يحدث محاولة منه لتحديك، وإثبات ذاته، وليس ناتجًا عن قلة أدب أو احترام، أو حتى عن اقتناع بما يعاند من أجله.
2- ابنك يعيش -بحكم عمره، وبحكم تنشئته- في جدال وصراع دائم بين المعايير التي تربى عليها، وتتمسك أنت بها، وبين بعض التمرد الذي يريده كمراهق بما يعني حرية قد تؤدي إلى خطأ، يبدو أنك تخشى دائمًا من وقوعه، وربما لذلك تحاصره بالنصائح المباشرة، وغير المباشرة "عبر آخرين".
3- ربما نشأ ولدك على أن يحصل على ما يريد بالبكاء، ويبدو أنه كان -ولا يزال- يلعب لعبة النفس الطويل في الجدال بالحق أو بالباطل، ولا يصلح مع هذا النوع إلا نفس أطول، مع تفويض بالتصرف في بعض الأشياء بحرية كاملة ليرى بنفسه أن اختياره الحر "الذي لم يكن عليه أي قيد" كان اختيارًا خاطئًا وسفيهًا "دعه يكتشف هذا بنفسه، ومن خلال العواقب لا من خلال النصائح".
4- وصفت ولدك بالعقوق، وهذه تهمة شنيعة، إما أن تقدم عليها دليلاً ساطعًا، وإما أن تتراجع عنها فورًا؛ لأنك إذا تعاملت معه كولد عاقٍّ فإن نفسك لن تتسع لشقاوته وحماقاته الصغيرة أبدًا، علمًا بأنك ألقيت التهمة "هكذا" دون تدليل كافٍ، بل دون أدلة على الإطلاق "اتق الله".
5- الحوار بغرض الإقناع، أي التفاوض بين طرفين ليحمل أحدهما الآخر على النزول إلى رأيه لا يسمى تفاوضًا أو حوارًا من الأصل، يمكن أن تسميه وعظًا أو إقناعًا أو غير ذلك، لكنه يا سيدي، ليس حوارًا، الحوار يصل غالبًا إلى حلول وسط، وقد يصل إلى نقطة "أنا أرفض هذا، ولكن لك الحرية أن تتصرف كما ترى، أو صيغة أنا أرفض، وبالتالي لن أتعاون أو أشارك"... إلخ.
وضع في ذهنك أن الحوار بينكما "غير متكافئ"؛ لأن هناك طرفًا يملك المال، والسلطة "إذا صح التعبير" وطرفًا لا يملك سوى رأي مستند إلى خبرة بسيطة في الحياة، فلا تشعر ولدك بهذه الفجوة حتى يكون الحوار حوارًا.
السلطان الأكبر على النفوس جميعًا هو سلطان الإحسان والفضل "تفضل على من شئت تكن أميره"، وأفضل الفضل هو ما لا مِنَّة فيه، ولا معايرة. وأحكم الآباء هم الذين ينصحون بقليل الكلام، وحكيم الأسلوب، ولسان حالهم يقول: يا بني، لقد قلت ما عندي، وأنا هنا إن راق لك أن تعود خلال التجربة أو بعدها، وستجد عندي دومًا السند والدعم قبل العتاب واللوم.
7 - لست مستريحًا من قولك: "هو يعرف الصح من الخطأ، والحلال والحرام، ويطالب الغير بذلك وبدقة"، فمن هو ومن أنت ومن أنا حتى نقف رقباء محاسبين للناس نتابع تنفيذهم للحلال والحرام "بدقة"؟ وتقمصنا لدور القضاة خروج عن روح الإسلام ومقاصده، فنحن في أحسن الأحوال مجرد "دعاة" نرفق بالناس وبأنفسنا، علينا النصح والأمر بالمعروف بمعروف، ولهذا الأمر آداب وضوابط شرحها يطول.
أرجو ألا تعامل ولدك بوصفك إلهًا أو قاضيًا، يحكم ويعاقب "فلست كذلك" وإنما –كما هي الحقيقة– كأخ أكبر، وصديق أنضج يشفق، ويغضب –أحيانًا- غضب الشقيق الشفيق الصديق، وأرجو أن تصل نفس الرسالة بالتالي لولدك؛ فيكف عن مطالبة الآخرين، ويطالب نفسه فحسب.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال