فيما التأزم يبقى مسيطراً على الوضع الداخلي في لبنان، فإن اللافت هو بقاء رئيس الحكومة سعد الحريري خارج البلاد منذ عطلة عيد الفطر ومروراً بالحملة التي تعرّض لها من قبل المدير العام السابق للامن العام اللواء الركن جميل السيّد. وسألت أوساط عما اذا كان هناك رابط بين التصعيد الحاصل وخصوصاً من طرف حزب الله الذي أطاح نوابه ببند تمويل المحكمة الدولية في اجتماع لجنة المال والموازنة وبين زيارة المبعوث الامريكي جورج ميتشل، وكأن في الامر رسالة معينة ضد المفاوضات الجارية وامكانية دخول سورية ولبنان اليها؟
وشكل عدم اقرار بند الموازنة العامة لعام 2010 المتعلق بتمويل المحكمة الخاصة بلبنان الخميس، فصلا جديدا من فصول التصعيد بين الاكثرية النيابية بزعامة رئيس الحكومة سعد الحريري والاقلية وابرز اركانها حزب الله، فيما تتصاعد التحذيرات من حصول تدهور امني قد ينتج عن جو الاحتقان القائم.
واعتباراً من اليوم ستعيش بيروت حبس أنفاس لمعرفة كيفية التعاطي مع اللواء السيّد لدى عودته من باريس في ظل صدور مذكرة جلب بحقه للاستماع اليه في التهديدات التي أطلقها بحق رئيس الحكومة. وقد شدّد السيّد على عدم مشروعية أي إجراء قضائي بحقّه صادر عن المدعي العام لدى محكمة التمييز القاضي سعيد ميرزا بسبب الخصومة الشخصية بينهما، وهو ما يؤدي قانوناً إلى ضرورة تنحي ميرزا عن اتخاذ أي قرار يتعلق به. وأكد أنه عائد طبيعياً إلى لبنان في التوقيت الذي حدده سابقاً أي يوم السبت، معلناً انه تحت القانون وأنه ليس مستعداً لأي مقايضة. وذكرت مصادر مقربة من اللواء السيّد أنه قد يعقد مؤتمراً صحافياً في بيروت الأحد، يعلن فيه موقفه من الإجراء القضائي الجديد.
وكانت دورية من المباحث المركزية توّجهت للمرة الثانية خلال يومين، إلى منزل السيد في منطقة السمرلاند، طالبة مقابلته لتبليغه طلب الحضور إلى مركز المباحث في قصر العدل ببيروت. ولما ردّ حرّاس منزل السيد بأنه غير موجود في منزله، طلب أفراد الدورية الصعود إلى المنزل وتبليغ الموجودين، فرد الحراس بأنه ممنوع على أي كان دخول المنزل في ظل غياب السيّد، فغادرت الدورية.
وضمن هذا السياق، أكد المدعي العام التمييزي سعيد ميرزا 'ان كلّ شيء سيكون وفقاً لما ينصّ عليه القانون في حال رفض المدير العام السابق للأمن العام المثول أمام القضاء'، مشيراً إلى انه 'لن يخوض في التفاصيل أكثر حتى لا يُفهم الكلام خطأ'. وعمّا إذا كان سيدّعي شخصياً على اللواء السيّد، أوضح ميرزا 'ان المسألة ليست عنده'، وقال 'وزير العدل هو طلب الاستجواب بما له من صلاحية، أنا ليست لديّ صلاحية الادّعاء في هذه القضية، وبكل الأحوال في البداية يحصل استجواب، وعلى أساسه ننظر في الأمر، ثم تحال القضية على النيابة العامة المختصة، وهذه الأخيرة هي التي تقرر ما إذا كان سيحصل ادّعاء أو لا'. وأضاف 'أن طلب مثول السيد أمام النيابة العامة جاء بطلب من وزير العدل إبراهيم نجّار، الذي عمل بمقتضى حقّه، وذلك بعد الاطلاع على الشريط المسجل للمؤتمر وتفريغه حرفياً'، مشيراً إلى 'ان هذا الحق منصوص عليه في المادة 14 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، إذ تنص على أن لوزير العدل أن يطلب إلى النائب العام التمييزي إجراء التعقبات بشأن الجرائم التي يتصل خبرها بعلمه'.
في غضون ذلك، دخل حزب الله على الخط رافضاً بشدة القرار باستدعاء القضاء اللواء جميل السيد معتبراً اياه 'قراراً سياسياً بامتياز وعنواناً للقمع والترهيب'. وجاء في البيان 'كنا ننتظر من الجهات المعنية في القضاء اللبناني أن تبادر لاستدعاء الذين تفاخروا بعمالتهم للإسرائيلي وتحالفهم معه والتحقيق معهم وكنا ننتظر أن تتحرك هذه الجهات القضائية دفاعاً عن كل الرئاسات التي أهينت وهتكت على مدى سنوات بتعابير لا تقبل التأويل ليحافظ القضاء على هيبة الدولة ورموزها!! وكنا ننتظر أن تسارع هذه الجهات القضائية إلى طلب الوثائق والمعطيات التي أعلن عنها اللواء جميل السيد في مؤتمره الصحافي الأخير بحثاً عن الحقيقة والعدالة وحرصاً عليهما! لكننا فوجئنا باستخدام القضاء، في خدمة الصراع السياسي من خلال ما أعلن عنه من قرار يتعلق باللواء السيد'. واضاف 'إننا في حزب الله نعتبر القرار الصادر قراراً سياسياً بامتياز وعنواناً للقمع والترهيب لكل مظلوم يصّرح بالحقيقة في هذه المرحلة، نرفضه بشدة وندعو إلى التراجع عنه بسرعة، أما إقامة العدالة فتقضي بأن يسارع القضاء اللبناني إلى وضع يده على شهود الزور ومصنّعيهم الذين أدخلوا لبنان وسورية في متاهة مظلمة كادت أن تودي بالجميع. كما أن الحرص على مؤسسات الدولة يوجب عدم الزج بجهازها القضائي خدمةً للزعامات السياسية وخصوصاً إذا كان هذا الزج مكشوفاً ويكيل بمكيالين وهذا أبعد ما يكون عن إقامة العدل وحفظ الكرامات'.
وردت الامانة العامة لقوى 14 آذار على بيان حزب الله مستغربة دعوته 'السلطات القضائية اللبنانية، إلى العودة عن التدابير القضائية في حق اللواء المتقاعد جميل السيد، بعدما كان سبق أن هدد بالعنف مراراً وبوضوح رئيس حكومة لبنان والسلطات الأمنية والقضائية، علما ان موضوع التحقيق في شأن اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري أصبح نهائياً وكلياً في عهدة المحكمة الدولية'، وأكدت 'ان موقف 'حزب الله' هذا يؤدي إلى ضرب قيام الدولة وإعاقة عمل المؤسسات'.
وتساءلت 14 آذار 'عما إذا كانت خطوة الحزب هذه تأتي في سياق مبرمج ومدروس في التوقيت والظروف وصولاً إلى الانقلاب على الدولة في لحظة خطيرة من تاريخ المنطقة في خضم المحادثات الجارية حول عملية السلام'. واضافت 'وفي مجال مطالبة الحزب بملاحقات في قضايا تنتمي إلى مرحلة انتهت، تذكر الأمانة العامة 'حزب الله' وغير 'حزب الله' بأن الحرب الأهلية ختمت عام 1990 على قاعدة اتفاق الطائف'. وطالبت الأمانة العامة 'الحكومة اللبنانية والسلطات القضائية بعدم التراجع عن دورها وتأدية واجبها كاملاً وفقاً للأصول، لأن الشعب اللبناني يقف صفاً واحداً وراء القانون والدستور والشرعية'.
الى ذلك، حُسم الجدل القانوني القائم بين المحكمة الدولية واللواء جميل السيد من خلال بت المحكمة طلب السيد معلنة انها صاحبة الصلاحية في مطالبته باستلام أدلة شهود الزور. وأعطت 20 يوماً للمدعي العام الدولي دانيال بلمار والسيد للتسليم والتسلم والتحفظ. وحصل هذا التطور في وقت تقدم اللواء السيّد بواسطة وكيله المحامي اكرم عازوري بمراجعة الى محكمة التمييز الجزائية لدى المجلس الاعلى للقضاء لتنحية مُدعي عام التمييز سعيد ميرزا عن منصبه ووضعه بالتصرف نظراً للخصومة الشخصية بينه وبين اللواء السيّد كون ميرزا مُدعى عليه من قبل السيّد لدى القضاء اللبناني في محاضر التحقيق الرسمية التي احالها ميرزا الى لاهاي، وكذلك فإن ميرزا مُدعى عليه أيضاً في الدعوى الشخصية المقدمة من اللواء السيّد امام القضاء السوري في جريمة مؤامرة شهود الزور في قضية اغتيال الحريري. وأفاد المكتب الإعلامي للواء السيد انّ من نتائج هذه المراجعة أيضاً إقصاء اللواء أشرف ريفي والعقيد وسام الحسن عن منصبيهما لكونهما الضّابطة العدلية التي تتبع لميرزا وكونهما مُدعى عليهما في جريمة شهود الزور. كما أرفق المكتب نسخة عن طلب تنحية ميرزا مؤلفة من 22 صفحة.
وعلّق مصدر قضائي على تصرف وكيل السيّد فقال 'إن أحداً لا يستطيع تنحية المدعي العام، اما ان يبقى كذلك واما ان يستقيل'، اذ ليس في القانون ما يسمح بعكس ذلك'. وأضاف المصدر 'ان القاضي ميرزا يعتزم المضي في ملف جميل السيد حتى النهاية وان لا نية لديه للتراجع '.
التسميات
تشيع