مهما كانت الأسباب، هناك إجماع بين المهتمين بالمجال التربوي على أن اللغة العربية تعاني من أزمة في المدارس بمختلف مراحلها: ضعف في كتابات التلاميذ في الاختبارات والمباريات، وتقهقر في المستوى اللغوي.
وتتجلى مظاهر هذه الأزمة بوضوح في عدم قدرة التلاميذ على فهم المواضيع المقررة، وعدم قدرتهم على وضع تصاميم واضحة، وتقديمهم لحجج ضعيفة وغير متجانسة، وتعبيرهم بلغة متذبذبة وغير دقيقة.
وأمام هذه الوضعية، أصبح التعبير والإنشاء مادة مرهقة للمدرسين والتلاميذ على حد سواء.
ففي التعليم الإعدادي مثلا، تبقى المواصفات المحددة للمادة غير دقيقة ولا نجد لها أية معايير مضبوطة في برامج التعليم، مما أدى إلى التضارب في الممارسة التربوية التي أصبحت في مجملها تخضع لاجتهادات المدرسين مما نتج عنها سلبيات كثيرة منها: تكرار نفس المحاور على امتداد السنوات الثلاث للتعليم الإعدادي، والاقتصار في الممارسة الصفية على تردي مجموعة من الجمل والتعابير وتسجيلها على السبورة، واكتفاء التلاميذ بنقلها وإعادة كتابتها حرفيا، مما يؤدي إلى تشابه كتاباتهم الإنشائية وخلوها من أي اجتهادات ذاتية، والتزام المدرسين بترديد المضامين المدروسة تبعا للمحاور الأسبوعية المقررة، واهتمامهم بتقويم الأخطاء الإملائية والنحوية مع غياب شبه تام لتقنيات التعبير ووسائله.
يضاف إلى ذلك أن نسبة كبيرة من التلاميذ الوافدين من التعليم الابتدائي، حين يلجون السلك الإعدادي، لا يفهمون بالفعل ما يقرأون، ونسبة أخرى لا يستهان بها منهم، لا يعرفون القراءة إجمالا، مع العلم أن القراءة والكتابة تبقى بالنسبة للتعليمين الابتدائي والإعدادي من الأهداف والمطامح الأساسية التي ينبغي التركيز عليها.
فكيف يمكن التصرف لحل هذه المعضلة؟
تبقى الأولوية الملحة في التعليمين الابتدائي والإعدادي هي تمكين التلميذ قبل كل شيء من تعلم القراءة والكتابة، وإذا لم تتمكن المدرسة من إيجاد الحل العاجل، والتدابير اللازمة لهذه الإشكالية، فإن المشكلة ستكون لها مضاعفات وعواقب خطيرة، بل كارثية على المستوى الفكري والثقافي للمتعلمين، لأن السيطرة الملائمة على ما هو مكتوب ليس فقط قضية ثقافية ولكنها هي أيضا قضية وطنية.
فأي معنى سيكون للمثل الأعلى للمواطنة والديموقراطية في بلد أكثر من نصف ساكنته تعاني من الأمية؟
ويكفي للوقوف على هذه الحقيقة استحضار بعض الحقائق والوقائع التي ما فتئ المدرسون ينصون عليها في تقارير مجالس الأقسام وغيرها، وهي أن الثقافة المدرسية رغم أنها ترتكز بطبيعة الحال على ما هو مكتوب، فإن أكثر من نصف عدد التلاميذ الذين يلتحقون بالتعليم الإعدادي لا يتوفقون في التوصل إلى فهم التسلسل المنطقي للنصوص القرائية المقررة، ولا يقدرون على التمكن من القواعد الأساسية لسنن الكتابة، كما لا يقدرون على توظيف المعطيات التي توفرها النصوص المقروءة، وحتى إذا تمكنوا –في غالب الأحيان- من فك رموز الكتابة بشرح كلمة تلو أخرى، أو مقطع تلو الآخر، فإنه لا يملكون القدرة والسهولة المطلوبة للفهم الحقيقي لكل ما يقرأونه.
إنهم بالضرورة وباختصار خارج شريحة القراء، لأنهم لا يستطيعون فتح كتاب أو قراءته من أجل الحصول على متعة القراءة أو حتى لأخذ معلومات معينة؛ بل إن نسبة منهم لا يستطيعون الحصول على أية معلومة على الإطلاق من قراءتهم لنص ما، أو معرفتهم لما يتحدث عنه النص أو عمن يتحدث لأنهم بكل بساطة لا يعرفون القراءة.
ويدعم هذا المعطى النتائج المحصل عليها في الاختبارات الدورية والموحدة، فكثير من التلاميذ لا يستطيعون فهم معنى مقال صحفي أو موضوع بسيط، مما يدل على أن تدارك هذه الآفة لم يحصل بعد في النظام التعليمي الحالي رغم دروس التقوية والدعم التي حاول أن يتدارك بها الأمر.
ومهما كانت طبيعة المبررات المقدمة لتحديد أسباب هذه الظاهرة، وسهولة تشخصيها، فإن الحلول المقترحة للحد منها ليست بالسهولة بمكان، رغم المعرفة الجيدة لسيوكولوجية التلاميذ، ولمراحل نمو الأطفال.
إن الأمر يتطلب الأخذ بعين الاعتبار الحجم الحقيقي للمشكل وفهمه بعمق للتمكن من الوصول إلى نتائج مرضية.
التسميات
تعبير