السرد - خصوصيات وتفاعلات على المستوى البنائي والمستوى الدلالي.. استنباط قواعد للخطابات السردية لتأسيس نظم تضبط مسارات متون الحكاية

لا يختلف كتاب السرد كثيراً فيما بينهم، حول الصعاب التي تكتنف وصف المادة الحكائية كثيرون حاولوا الاقتراب الى تلك المادة لضبط نظمها السردية والدلالية فاستقام لهم (منطق للسرد) يستجيب للاشكال التى تقترحها النصوص القديمة والحديثة، وهذا جزء من جهود المنهجيات الوصفية الهادفة الى استنباط قواعد للخطابات السردية علّها تفلح في تأسيس نظم تضبط مسارات متون الحكاية.

لقد اتخذت دراسات السرد اتجاهين رئيسيين:
- أولهما اهتم بالمستويات البنائية فعمل على توظيف كشوف علم اللغة معتبراً السرد مجلة كبيرة، وافاد من النموذج اللغوي بوصفه معياراً قياسياً في التحليل، وبالتالي فقد انبثق (نحو) للسرود المختلفة.

- ثاني الاتجاهين اهتم بالمستوى الدلالي اي خلق وظائف اساسية لما يعرف بالشخصيات او الافعال التى تقوم بها هذه الشخصيات.    
إذن كل الجهود التي تظافرت كانت بهدف جعل الخطاب السردي حقلاً للنظم والقواعد اي الوصول الى علم السرد.

لقد صارت المادة الحكائية (المتن) مجموعة من العناصر وهى الاحداث ـ الشخصيات ـ الخلفية الزمانية ـ الخلفية المكانية ـ ومن ناحية تطبيقية على الرواية العربية سوف نجد ان نتاج هذه الرواية يقترب من مغامرة التجريب بكامل الابعاد، حيث أن أنظمة هذه الرواية في حال تحول وتفاعل مما يكشف عن امكانية خلق نظام هجين وجديد وفق تشكلات وخصوصيات معنية، حيث تتفاعل خصائص السرد فيما بينها ولعل نص (ألف ليلة وليلة) آخر أكثر الامثلة وضوحاً على تجاوز نظم السرد، فقد تفاعلت هذه النظم ومنحت الليالي ميزة نادرة أهمها ميزة التعاقب التي تسمح بتضمين الحكايات الفرعية في نسق اقرب الى العنقود بالاضافة الي حال التوازي في الحكايات دون ان تقوض اي حكاية الاخرى.

ولعلنا نكتشف بأن التتابع الزمني هو النظام الاساسي في السرد، ولقد جاء نظام التسلسل الزمني بسبب سيطرة فكرة الخبر لان نقل الخبر يقضى بنقل الوقائع كما تأتى متسلسلة دون خلخلة، فلا يوجد في القصص القديمة واللاحقة المعروفة ارتداد الى الماضي مثلا او لعب بالزمن او تقديم او تأخير ولهذا السبب سيطرت فكرة السببية ايضاً على السرد بمعنى ان يكون السابق سببا لما هو لاحق وهذا مايفسر مكونات السرد وتماسكها.

بالإضافة الى نظام التتابع، هناك نظام التداخل في السرد، وقد اشتهر في الصياغة مع القرن العشرين، ونقصد الصياغة الادبية، حيث يجاور الحدث الحدث الآخر فلا يوجد سابق ولاحق اي ان المكونات السردية يعاد ترتيبها في ذهن المتلقى لأنها في الاصل متناثرة.

هناك ايضاً نظام التوازي وهو جديد على الرواية العربية وهو يشمل تقنيات التتابع والتداخل ويقوم على توازي عنصرين او اكثر في الاحداث وفي زمن واحد، فالمحور الاول ليس له علاقة مبدئياً بالمحور الثاني، والثالث وفي النهاية قد تلتقي هذه المحاور.

يبقى النظام الاكثر تعقيداً في الرواية وهو نظام التكرار، وهو لايتوفر بكثرة في الروايات العالمية، ويكاد يختفى في الرواية العربية الحديثة.

يقصد بنظام التكرار ان يعاد سرد المتون بطريقة مختلفة فجوهر الحدث واحد ولكن يروى بطريقة مختلفة، فجوهر الحدث واحد ولكن يروى بطريقة مختلفة، ومع اختفاء عامل الزمان يصبح الحدث وليداً جديداً لان وجهة النظر جديدة مع كل طريقة للسرد.

إن النقاد يعتبرون ان رواية الاسكندرية للورنس داريل هى النموذج الافضل لهذا النوع.

غير أن هناك دائما مايسمى بالانظمة الهجينة التي تستفيد من كل العناصر السابقة وتحاول دمجها جزئياً او كلياً، وبالتالي يمكن ان يتحقق الجديد، حيث إن الأنظمة غير نهائية ومتجددة وهي تدرس فقط من باب التعميم ولكن عملياً يتحقق الانجاز الروائي مع نشأة اي نوع جديد ومختلف مع متغيرات في انواع الرواة ومواقعهم واساليب السرد ومراكز الرؤى وتعددها، وماهو مجهول يصبح مقبولاً مع مرور الأيام.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال