وضعية المدرس ودوره التربوي والتعليمي.. لا إصلاح بدون إصلاح وضعية المدرس النفسية والاجتماعية والمادية والاقتصادية والمعرفية

إن العمل التربوي والتعليمي عمل متشعب ومعقد في نفس الوقت لكون الرسالة التي يحملها موجهة أساسا إلى الإنسان ذاته وما يزيد الأمور تعقيدا هي ان حامل هذه الرسالة هو إنسان كذلك له خلفيات وله شخصية وله إحساس وعواطف، كان بالأمس مستقبلا لهذه الرسالة وبعد ذلك أصبح مرسلا لها.

وهذا ما يجعل مهمة المدرس مهمة صعبة وكبيرة في نفس الوقت لأنه هو قائد العملية التعليمية التعلمية، فعليه أن يعرف كيف يمكنه توصيل الرسالة التربوية إلى التلميذ بشكل يراعي فيه شخصية المستقبل وكذلك مدى رد فعله اتجاه الإرسالية  ولأنه أمام إنسان وليس أمام الآلة كما هو الشأن  في باقي القطاعات الأخرى.

- فهل دور المدرس في العمل التربوي محدد ام انه حسب الموقف؟
- وهل يمكن لنا فعلا وضع خطة مسبقة نحدد فيها ما يجب على المدرس القيام به داخل الفصل؟
- أم أن المدرس عليه التسلح بكل الوسائل، وعلينا أن ننظر إليه كرجل حرب وبالتالي فعليه أن يتوقع كل شيء في الميدان؟

إننا كلما نزيد تمعنا في دور المدرس نجده فعلا دورا صعبا جدا، فهو يتقمص عدة شخصيات: أن يكون منشطا، فكاهيا، مربيا، معلما، قائدا، رساما، خطاطا، أبا، أخا، قاضيا، رياضيا، وفي بعض الحالات (تلاميذ المستوى الأول ابتدائي) أن يكون أما.

بمعنى أدق أن يكون كل ما نريده من أبنائنا و وكل ما يمكن أن يكون مستقبلا لأطفالنا، لأن المثال والنموذج بالنسبة للتلميذ هو مدرسه والصورة المثلى بالنسبة له دائما هي صورة معلمه أو أستاذه.

فقد يؤثر رأي المدرس على رأي الأبوين لدى الطفل، فكيف لنا أن نصلح التعليم دون النظر إلى هذا الرجل القائد الذي هو كل شيء في حقيقة الأمر بالنسبة للتعليم؟

فلا إصلاح بدون إصلاح وضعية المدرس النفسية والاجتماعية والمادية والاقتصادية والمعرفية، هذا في الوقت الذي نجد وضعية مدرسنا اليوم في تدهور مستمر من السيئ إلى الأسوأ.

فقد فقد رأسماله الاجتماعي (son capital social) حيث كما ذكرت مسبقا أصبحت مكانته الاجتماعية بالخصوص لا تطاق فهو فقط "معلم" ورجل البيض والطماطم وعقله كعقل الأطفال وأصبح ينعت بكل النعوت السلبية فما هو السبب في ذلك؟

إننا جميعا نعرف جيدا الأسباب التي كانت ومازالت وراء تحطيم سمعة رجل التعليم لكن ألا يكفي هذا؟

وهل هناك فعلا وعيا ومنطقا أن يهان أهل العلم وحاملي المعرفة وهم الذين في المرتبة العليا عند الله تعالى، وقد أمر سبحانه بضرورة طلب العلم ونحن نعلم أن أول سورة نزلت على المعلم الأول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم تدعوه للقراءة (سورة العلق).

أم أن الأمر مقصود فعلا من لدن المسئولين الذين يدرسون أبناءهم في المدارس الأجنبية؟ وذلك بعد إضرابات الثمانينات التي تزعمها رجال التعليم؟

أن الوضعية السوسيولوجية للمدرس اليوم وبدون أي بحث ميداني، قد طبع عليها اليأس والنفور التام نظرا للمضايقات التي يتعرض لها المربي الذي نريده أن يصلح المجتمع ونحقق به التنمية.

وقد تراجعت مكانة المدرس وبالتالي مكانة التعليم بصفة عامة . وكثيرا من الباحثين أكدوا على هذه الحقيقة المرة فعلا فنجد الدكتور محمد الأشهب في مجلة عالم التربية العدد6-7 سنة 1999 الصفحة 202 قال: "من الملاحظ في الأعوام الأخيرة تراجع مكانة المدرس في المجتمع المغربي بصفة عامة وفي المجتمع القروي بصفة خاصة".

كما أن دوره المعرفي قد تراجع لكونه في السابق وخاصة في العالم القروي كمصدر للمعرفة حيث بجانب مهمة التدريس فهو الذي يقرأ ويكتب رسائل السكان وكذلك جميع مراسلاتهم بجانب الفقيه الذي يتكلف بالجانب الديني، إلا أن ظهور منافسين للمدرس معرفيا كوسائل الإعلام وخاصة المذياع والتلفاز والصحون المقعرة، جعلت المكانة المعرفية للمدرس تتراجع بشكل كبير، ولهذا تغيرت نظرة المجتمع القروي اتجاه المدرس فماذا عن هذه النظرة الجديدة والمشئومة؟
أحدث أقدم

نموذج الاتصال