الهدف المنشود من تسريب وثائق ويكيليكس.. استخدام إيران فزاعة لتخويف العرب من عدو جديد وإشغاله عن عدو قديم حقيقي هو إسرائيل

قام موقع ويكيليكس الالكتروني المتخصص في نشر وثائق سرية بنشر نحو 4000وثيقة سرية عن جرائم حرب وقعت في العراق بين عامي 2003و 2010 وقالت الوثائق إن مئات المدنيين قتلوا على الحواجز الأمريكية في العراق، وإن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي على علاقة بإدارة فرق القتل الطائفية، وأن الأمريكي تستر على حالات التعذيب في السجون، وأن القوات العراقية تورطت في حالات قتل وتعذيب واسعة. وحسب الوثائق فان عدد القتلى العراقيين نتيجة الغزو الأمريكي أكبر كثيرًا من الأرقام المعلنة، فهناك 66ألف ضحية من المدنيين، ونحو 23ألفا من قتلى الجماعات المسلحة المعارضة و15ألفاً من جنود الجيش العراقي، و3771 قتيلاً أمريكياً و32ألف قتيل بسبب الألغام المزروعة، ونحو 35ألف قتيل في معارك طائفية، واتهمت الوثائق إيران بتسليح فرق قتل طائفية، وأشارت إلى مئات القتلى من ضحايا شركة بلاك ووتر الأمريكية وكشف الموقع أن مئات المدنيين قتلوا على الحواجز الأميركية في العراق، بالرغم من النفي الأميركي لذلك. وأفادت وثائق ويكيليكس أن 'الولايات المتحدة كانت على علم بأعمال التعذيب هذه لكنها أمرت جنودها بعدم التدخل. 
أن يتم تسريب هذا الكم الهائل من وثائق سرية تتحدث عن أحداث لا زالت قائمة، وأن يكون مصدرها وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) أمر يدعو إلى التساؤل: لماذا هذا التسريب ومن وراءه؟ ومما يجعل السؤال مشروعاً هو ردة الفعل الفاترة التي صدرت عن الإدارة الأمريكية فقد دانت هيلاري كلنتون وزيرة الخارجية الأمريكية عمليةَ تسريبِ معلوماتٍ من شأنها تعريض حياة أمريكيين للخطر، أما وزارة الدفاع الأمريكية فقالت بأنها لا تتوقع أي مفاجآت كبيرة من جراء التسريب، لكنها حذرت من أن جنوداً أمريكيين ومواطنيين عراقيين قد يتعرضون للخطر. وقال المتحدث باسم البنتاغون الكولونيل ديف لابان للصحفيين إن فريقاً من البنتاغون راجع ملفات حرب العراق التي يعتقد أنها لدى ويكيليكس والتي تغطي فترة من 2003وحتى2010ووصفها بأنها تقارير ميدانية سطحية إلى حد كبير قد تكشف أسماء عراقيين يعملون مع الولايات المتحدة؛ وتعطي للمتمردين العراقيين فكرة نافذة إزاء العمليات الأمريكية؛ كما حدث مع ملفات حرب أفغانستان. وأضاف لابان 'قلقنا في الأغلب بشأن التهديد الموجه للأفراد والتهديد الموجه لشعبنا'؛ فردة الفعل الضعيفة هذه تؤكد سؤال الغاية من هذا التسريب. وردة الفعل هذه تذكرنا بردة فعل وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس في خطاب بعث به في آب أغسطس إلى رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ عندما نشر الموقع نفسه 77ألف وثيقة مشابهة عن الانتهاكات الأمريكية في أفغانستان في تموز الماضي، حيث قال: إن تسريب وثائق حرب أفغانستان لم يكشف عن أي مصادر أو أساليب مخابرات حساسة. لكنه أضاف أن الكشف عن أسماء متعاونين أفغان قد يصبحون أهدافا لطالبان يمكن أن يلحق 'إيذاء أو ضررا كبيرا' بمصالح الأمن القومي الأمريكي.
من الملاحظ أن هذه الوثائق تغطي بالدرجة الأولى عهد الاحتلال حتى أوائل عام 2009 أي قبل ولاية الرئيس أوباما (الذي تولى الحكم فعلاً في 20/1/2009)، أي أنها تغطي فترة العهد الجمهوري للرئيس بوش، أليس في هذا إشعار بالصراع المعلوم بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، من المعروف أن الحزب الجمهوري هو وراء مهاجمة العراق منذ عهد بوش الأب والحرب على الإرهاب في عهد بوش الابن، وقد ملأ هذا الحزب الدنيا ضجيجاً بمشروعية الحرب هذه ، وصور للعالم الخطر الذي يمثله صدام حسين على العالم، وصور الابن الخطر الذي يمثله(الإرهاب) على الأمن الأمريكي والعالمي، لدرجة أن الحزب الديمقراطي وإن عارض هذه السياسة إلا أنه لم يكن بمقدوره مخالفتها، وعندما جاء أوباما كان في برنامجه إغلاق معتقل غوانتينامو مما يُفسر بأنه تخفيف القبضة عن الحرب على الإرهاب، وهو بحسب الفهم الجمهوري مغايرة سياسته بشكل كامل في محاربة الإرهاب أو على الأقل في مواجهة الإرهاب، فضغطوا على أوباما حتى تخلى عن مشروعه في إغلاق غوانتينامو، ويبدو أن الديمقراطيين لم يخضعوا للجمهوريين؛ فانتهزوا الفرصة لتشويه مقاصد الجمهوريين من الحرب في العراق وإفغانستان ،فتم تسريب هذه الوثائق الخطيرة والكثيرة، كما سبق تسريب وثائق الانتهاكات الأمريكية في أفغانستان المار ذكرها، ويستعد الموقع نفسه للكشف عن 15ألف وثيقة أخرى عن أفغانستان أيضاً.وما الكشف عن فضيحة سجن أبي غريب إلا من هذا القبيل.
ستضرب الإدارة الأمريكية الديمقراطية أكثر من (رأس) من خلال هذا التسريب، فالحديث عن دور إيران سيعزز من استخدام إيران فزاعة لتخويف العرب من عدو جديد وإشغاله عن عدو قديم حقيقي هو إسرائيل، وما الزج بالحديث عن المالكي سوى إعطاء مصداقية لما في هذه الوثائق من حقائق عن مسؤولية (الحزب الجمهوري) عن دماء العراقيين وأمنهم.
ليس معنى هذا أن الحزب الديمقراطي ليس له يد في احتلال العراق ودماره، أو انه لا يريد محاربة(الإرهاب) ولكن له أسلوب آخر في إدارة الصراع.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال