يقر أنور مالك أن النفط الذي تستغله الجزائر مستخرج من أرض مغربية ألحقتها فرنسا بالجزائر في إطار وهمها الرامي إلى جعل الجزائر مقاطعة فرنسية أبدية. كما يرشح ظهور أكثر من 15 دولة مستقبلا بالمغرب العربي، تساعد على ظهورها الظروف الداخلية وتداعيات المناخ الدولي ونزعه الانفصال التي ستحل علينا بالكوارث إن لم يتم تدارك الأمر بالوحدة التفاهم الداخلي بين شعوب المنطقة وبالاستفادة الجماعية من الثروات المغاربية.
- يعتقد الكثير من المغاربة أن الجزائر غنية بنفط تعود ملكية ترابه إلى المغرب والمغاربة أصلا، ما رأيك في هذا الأمر؟
+ قبل الخوض في هذا الموضوع الخطير للغاية في منطقتنا المغاربية، يجب أن نشير إلى بعض الأمور الهامة، لقد خلف الإحتلال الفرنسي ألغاما بعدما طرد عسكريا من الجزائر عام 1962، بينها الألغام المضادة للأفراد التي أطاحت بأبرياء على مدار سنوات طويلة، لكن توجد ألغام أخرى يعتبر مفعولها أكثر من التدمير الشامل، حيث لا يمكن تجاوزها أبدا، وستبقى مصدر الفتن والصراعات.
لقد خلفوا لنا “معاهدة إيفيان” التي أبرمت وحررت بنودها بحنكة من طرف خبراء فرنسيين صحبة وفد جزائري محدود الرؤية والأفق، إذ لم يكن لهم هَمٌّ حينها سوى الاستقلال وريع الحكم وثروة الثورة، حتى صارت هذه المعاهدة تلوي عنق حقوقنا، كالمطالبة بالتعويض والاعتذار لضحايا همجية الاحتلال من مجازر بشعة وتعذيب ونفي وتخريب وتجارب نووية... الخ.
وأمر آخر هو أن الاستعمار الفرنسي استوطن قرنا و32 سنة، أي أنه دخل في زمن القبيلة وخرج في زمن الدولة، فصنع أجيالا لها خصوصياتها وتطلعاتها المستمدة من رؤاه، لها تأثيرها البالغ في تسيير شؤون المنطقة... إذا أخذنا بعين الاعتبار ما ذكرنا نستطيع أن نفهم حقيقة ما عليه أمر المغرب العربي، الذي سيظل محل الطمع الأجنبي لاعتبارات استراتيجية واقتصادية، بسبب الاستعمار والعقلية القابلة للوصاية مما جعل المنطقة المغاربية تسير في طريق التفتيت والتقسيم، وأرشح ظهور أكثر من 15 دولة مستقبلا، تساعد على ظهورها الظروف الداخلية والمعطيات الدولية ونزعة البوليساريو المشبوهة التي ستحل علينا بالكوارث، إن لم يتم تدارك ذلك بالوحدة والتفاهم الداخلي بين هذه الشعوب وبالاستفادة الجماعية من الثروة المغاربية...
نعود لسؤالكم لنؤكد أن هذا الاعتقاد موجود بالفعل ولا يمكن تجاوزه أو تجاهله، ونقر نحن بصراحة أن الحدود الموجودة الآن هي من مخلفات الاحتلال الفرنسي الذي راعى في ترسيمها مصالحه، حيث كان موهوما بأن الجزائر مقاطعة فرنسية أبدية، لذلك وضع الحدود وكيفها حسب أطماعه، فابتلع كل ما فيه من خيرات وثروات باطنية، وإن كنت على يقين بأن المستعمر يطمع في شمال إفريقيا كلها، واستقلال المغرب وتونس إستراتيجية مرحلية إتخذها المستعمر الغاشم للتفرغ النهائي لما هو أهم ويتمثل في قلب المغرب العربي ألا وهو الجزائر، ومن بعد يسهل احتواء الأطراف والأجنحة الأخرى.
أنا أرفض مصطلحات التفرقة، هذا جزائري وذاك مغربي والآخر تونسي، أنا أرى المغرب العربي كُلاًّ لا يتجزأ، ومن حق كل مغاربي العيش الآمن الرغيد في كنف دولة واحدة تمتد من طاء طنجة الى طاء طرابلس، ولكن بسبب أنظمة البغض المفروضة علينا بالسلاح صرنا إلى حال بائس.
فقد صار كل نظام يغذي النعرات التي تخدم أجندته وحساباته، فالنظام العسكري الجزائري خلق جبهة البوليساريو، يمدها بالسلاح والمال والنفوذ على حساب شعبه الجائع، وذلك لطعن المغرب في الظهر ليوقف زحفه نحو الصحراء الشرقية أو نحو تحرير سبتة ومليلية... المغرب بدوره وجه صفعات للجزائر ولا يزال يبحث عن الضربة القاضية، ولن يجد أكثر وأفضل من المطالبة بحقوقه المشروعة في ترسيم الحدود التاريخية، وأنا على يقين أن كفته ستكون راجحة لاعتبارات عديدة أهمها عدم وجود اتفاق نهائي لترسيم الحدود بين الجانبين.
فضلا على أن اتفاقية الجزيرة الخضراء عام 1906 والتي اعترفت بها الأمم المتحدة عام 1945، تقر صراحة بمغربية ولاية تندوف، بحيث لا تملك الجزائر ما يفيد عكس المطلب المغربي أو دحضه، لهذا لا يمكن أن تقبل بوصول القضية إلى التحكيم الدولي وستظل تراهن على منفذ دولة صحراوية بمحاذاة تندوف.
إن الحدود هي لب الصراع القائم اليوم وبدعم أجنبي سواء عن طريق الميراث الاستعماري أو بتغذية القوى الأجنبية المتسابقة على خيرات أمتنا، إذا كانت قضية الحدود بين الجزائر والمغرب قائمة، فتوجد قضية أخرى مع تونس ستنفجر حتما يوما ما... هكذا يمكن التأكيد على أن الشمال الإفريقي عموما مقبل على هزات عنيفة لا تحمد عقباها، مادامت ثروات النفط تسيل الدم واللعاب.
فحيثما يكون النفط كنا نرى الاحتلال، واليوم نجد ما يسمى بالإرهاب، وغدا بلا شك سنعيش الحروب الأهلية والنزعات الانفصالية... أقول إن الحدود الموجودة اليوم هي إستعمارية، وترسيمها وفق أجندة الخارج سيعيد الاستعمار من النافذة، وترك الحبل على الغارب سيعيده من السقف، أما الهروب إلى الأمام سينبته كالفطر من الأرض، إن لم يتم تدارك الأمر قبل فوات الأوان، وطبعا فإن الشعوب هي التي ستؤدي الثمن في الأخير.
أنور مالك/ كاتب صحفي وضابط سابق جزائري مقيم بفرنسا
التسميات
مغرب