علي بنبريك القندوسي هو أحد أبناء الصحراء الشرقية، ابن العربي بنبريك عميد الحركة الوطنية في الصحراء الشرقية، فقيه الزاوية القندوسية، تتلمذ على يده العديد من رجالات الحركة الوطنية بالمغرب الشرقي، ومن بينهم عبد الرحمان احجيرة والد الوزير توفيق احجيرة.
كان والد علي بنبريك القندوسي قيدوم رجال الحركة الوطنية بالصحراء الشرقية قد نادى باسترجاعها وعودتها إلى المغرب منذ عشرينيات القرن الماضي.
تتلمذ علي بنبريك، رئيس الهيأة الوطنية للمناطق الشرقية المغربية المغتصبة على يد الفقيه محمد الفاسي في المدرسة الوطنية للإدارة العمومية وعلى يد عبد الرحمان القاديري وغيرهما من الوطنيين، وكان علال الفاسي مرجعه في الحركة الوطنية.
إنه مغربي يحمل ككل المغاربة شعار الدفاع عن ثوابت الأمة، إذ أخذ على عاتقه استمرار المسيرة التي بدأها والده ورفاقه، أجرينا معه الحوار التالي:
- هل الجزائر غنية الآن بالنفط والغاز المغربيين ومع ذلك تعادي المغرب والمغاربة من أجلهما؟
- الجزائر ليست غنية بنفطنا ومحروقاتنا فقط، وإنما هي غنية كذلك، لذلك ظل القائمون على أمور الجزائر يتوجسون خيفة من المغرب العربي ومن تفعيله في مجال الحدود والاقتصاد، معتقدين أن أي خطوة على هذا الدرب من شأنها إثارة قضية الصحراء الشرقية، التي هي بالنسبة إليها قضية حياة أو موت.
ونرى في الهيأة الوطنية للمناطق المغربية المغتصبة أن الصحراء الشرقية يمكنها أن تكون ثمن الوحدة المغاربية عبر المشاركة في الاستفادة من خيراتها، لكن جنرالات الجزائر يرفضون رفضا قاطعا النظر إلى هذا الأمر من هذه الزاوية لأنهم يعلمون علم اليقين أن الصحراء الشرقية بنفطها وخيراتها أرض مغربية ورثوها، ظلما وعدوانا، عن الاستعمار الفرنسي، لذلك تحرك الجزائر بيادقها المتواجدين بالمغرب، وهم يشكلون نفوذا كبيرا وخطيرا عندنا، لاسيما أنهم جزائريون حصلوا على الجنسية المغربية، حيث إن بعضهم احتلوا مناصب حساسة في دواليب الدولة.
- هل حقول النفط التي تستغلها الجزائر الآن هي حقول مغربية؟
- نحن بصدد إعداد استراتيجية لمعالجة هذا الموضوع، النفط أضحى مطلبا عالميا وامتيازا دوليا.
فهذه الحقول مغربية يجب التعاطي معها في إطار التعاون المغاربي بفعل تداعيات الأمر الواقع، وذلك بطريقة يستفيد منها الشعبان، المغربي والجزائري، رغم أن مغربيتها لا غبار عليها تاريخيا وجغرافيا بدليل الوثائق التي هي بحوزة فرنسا وتركيا وأمريكا، وبحجة الحقائق التاريخية.
ولنتصور حالة ووضع المغرب لو كان قد استفاد من البترول والغاز الذي استحوذت عليهما الجزائر بتواطؤ مع فرنسا التي عاقبت المغرب باقتطاع موريتانيا ثم الصحراء الشرقية، من الصدف الغريبة أن هناك نفطا في الأولى والثانية مما يحدث نوعا من الغبن لدى المغاربة.
لكن فرنسا عاقبت المغرب بقسوة مبالغ فيها اعتبارا لمساندتها الثورة الجزائرية.
- هل من الممكن تحقيق حلم عودة الصحراء الشرقية بنفطها إلى المغرب في التاريخ المنظور؟
- أولا وقبل كل شيء، إن استكمال وحدة التراب الوطني بالنسبة للمغرب هي مسؤولية الجميع، ملكا وحكومة وشعبا، والمجتمع المدني ومختلف فعالياته ملزمون بالدفاع عن المغرب والعمل على استكمال وحدته الترابية، ولا يوجد مغربي واحد يختلف معنا بخصوص هذا المنظور التاريخي.
لذلك قلنا لعباس الفاسي في آخر مذكرة وجهناها له، إنه لابد من تدريس الأجيال المغربية خريطة المغرب الحقيقية، وهي التي تركها لنا، على الأقل السلطان الحسن الأول والمؤرخة في 1880.
علما أن هذه الخريطة تتضمن الصحراء الشرقية وتومبوكتو وفيها موريتانيا كذلك، وهو ما كان يسميه الفرنسيون بالصحراء المغربية الكبرى (Le grand sahara marocain).
فلا بد أن نعلم الأجيال في مدارسنا حدود المغرب الحقيقية، وإفادتهم بأن الصحراء الشرقية بيد الجزائر وسبتة ومليلية والجزر الجعفرية بيد إسبانيا، لأنه أضحى من الخطير التعتيم على الأجيال وتكريس جهلهم لتاريخ بلادهم.
ومن أخطر ما رأيته في التعليم أن أساتذتنا، الذين يأخذون أجورهم ورواتبهم من عرق الشعب المغربي، يُدرّسون خريطة الجزائر لأبنائنا بما في ذلك المناطق المغتصبة وكأنها جزء لا يتجزأ من الجزائر. وهذه مصيبة حيث إن طبقتنا المثقفة تكرس هذه المغالطة التاريخية وتساهم في التعتيم على حقيقة تاريخية لا غبار عليها، كما سبق أن نبهنا عبد الواحد الراضي – رئيس البرلمان سابقا ووزيرا للعدل – وكذلك وزير التعليم لهذا الأمر الذي نعتبره خطيرا.
هناك الآن أكثر من 6 ملايين من ساكنة الصحراء الشرقية يرزحون تحت ظلم وجور النظام الجزائري، وبالمغرب يوجد مليوني من سكان تلك المنطقة المغتصبة وأعضاء الهيأة الوطنية للمناطق الشرقية المغربية.
ونحن نعتقد في الهيأة أنه لابد أن يكون لنا تمثيل داخل الحكومة مثل ما كان في عهد الملك الراحل محمد الخامس وكذلك في عهد الراحل الحسن الثاني، حتى تدخلت العناصر الخيانية وأقبرت "وزارة الصحراء وموريتانيا"، على الأقل يجب الآن خلق كتابة دولة تعنى بقضية الصحراء الشرقية وساكنتها، وهناك رجال أكفاء من أبناء هذه المنطقة قادرون على تحمل المسؤولية.
وهؤلاء الرجال هم الذين حركوا الدولة الأمريكية، وهذا ما تجلى في تدخل جورج بوش وكوندليزا رايس بخصوص الصحراء وفهم طبيعة النزاع بيننا وبين الجزائر وبيننا وبين فرنسا من جهة أخرى.
وهؤلاء الرجال هم الذين ساهموا في دفع وزارة شؤون خارجيتنا لتعيد النظر في سياستها واستراتيجتها التي تبتعد بكثير عن متطلبات استكمال وحدة التراب الوطني.
فلابد أن نسترجع صحراءنا الشرقية طال الزمن أو قصر، فهذه حقيقة تاريخية، إذ ما ضاع حق وراءه طالب، فهنكونغ بعد مئات السنين عادت إلى الصين، وفرنسا لما جاءت إلى الجزائر وجدت أن مساحتها لا تتعدى 275500 كلم مربع واليوم الجزائر تمتد على أكثر من مليوني و300 ألف كلم مربع مغتصبة أراضي مغربية.
انطلاقا من الأخلاق والقيم يطالب عباس الفاسي بفتح الحدود الشرقية لخدمة مسار المغرب العربي، لكن أية حدود يطالب فتحها مع الجزائر؟ إن هناك أكثر من ستة ملايين نسمة من المواطنين، مغاربة الأصليون، تركتهم فرنسا لعبث النظام الجزائري بغير وجه حق، إنها مليونا كلم مربع من الأرض، وهي أرض مغربية وجب مطالبة استرجاعها وليس تكريس حدود رسمية بيننا وبينها.
- هل هذا يعني أن قضية استرجاع الصحراء الشرقية المغتصبة لا تكتسي صبغة مرحلية آنية وإنما هي مرتبطة بجيل أو بأجيال قادمة وجب تربيتهم منذ الآن على ضرورة المطالبة باسترجاع تلك الأراضي المغتصبة؟
- بالفعل، هذا هو أس المذكرة التي رفعناها إلى الوزير الأول عباس الفاسي مؤخرا، حيث ركزنا فيها على تربية الأجيال الصاعدة على خريطة المغرب التاريخية وعلى تاريخ المغرب والمغاربة، هذا أولا، وثانيا فتح المجال أمام سكان المناطق المغتصبة لكي تكون لهم تمثيلية داخل الديوان الملكي وداخل الوزارة الأولى باعتبار أن أهل مكة أدرى بشعابها كما يقال.
إننا في الهيأة لا نحمل المسؤولية للحركة الوطنية، ولا نقول إنها تقاعست عن استكمال وحدة التراب الوطني، فنحن جزء من الحركة الوطنية ولا يعقل أن لا يكون لنا وجود فعلي داخل الدولة حتى ندافع عن قضيتنا من وسط دوائر صناعة القرار.
ففي عهد الملك الراحل محمد الخامس وفي عهد الراحل الحسن الثاني كان لدينا ممثلون، فكان لنا الأستاذ الخليفة المحفوظي القندوسي المكلف بمهمة بالديوان الملكي، وكذلك كان الأستاذ قاسم التواتي الذي اشتغل مع علال الفاسي لما كان وزيرا للإسلام.
الآن فقدنا هذه التمثيلية الفعلية، حيث عادت قضية أراضينا المغتصبة مجرد تاكتيك داخل الأحزاب تلوكها في مؤتمراتها أو في ظرفية معينة أو عندما يتم الضغط عليها. فالواجب تمثيل أهل القضية في مختلف المستويات للدفاع عنها.
- ألا تعتبرون من الضروري حاليا أن تتحرك هيأتكم لدى مجموعة "أوبيك"، أم أنكم لا ترون داعيا لذلك؟
- لقد تحركنا رفقة الأمم المتحدة ومع محكمة لاهاي الدولية، ونحن الآن بصدد إعداد ملف خاص بمجموعة الدول المنتجة والمصدرة للنفط (الأوبيك)، لأننا غير مستعدين لاستمرار الجزائر في تسويق نفطنا ومحروقاتنا، ومع ذلك تحاربنا بما تجنيه وراءها من أموال طائلة.
وإضافة إلى هذا وذاك أقامت الجزائر مفاعلا نوويا في "الركان" وهو المفاعل الذي تحركه دول نووية، وهذا أمر يهدد المغرب كذلك.
- قيل إن الراحل الحسن الثاني فكر بجدية في تنظيم مسيرة نحو الصحراء الشرقية، فهل هذه القضية لازالت قائمة الآن؟
- ظل الحسن الثاني يقول للمغاربة عليكم بدراسة التاريخ، وقال "بيسمارك"، الذي تأثر به كثيرا الملك الراحل، إن الجغرافية هي واحدة من حقائق التاريخ الثابتة، والدارس للتاريخ سيلاحظ أننا أدينا الثمن باهظا نتيجة مساندتنا للثورة الجزائرية التي عادتنا وحاربتنا في آخر المطاف. إن عقاب فرنسا لنا سببه هذه المساندة، لقد اقتطعت موريتانيا من المغرب والصحراء الشرقية.
وفعلا فكر الملك الراحل الحسن الثاني في أمر تنظيم مسيرة نحو الصحراء الشرقية.
كما أننا في الهيأة الوطنية للمناطق المغربية المغتصبة أعددنا مع الإخوان بالراشيدية لمسيرة من هذا القبيل، لكن في آخر لحظة وصلتنا تعليمات بإرجاء الأمر باعتبار أن الظرف غير مناسب، ولازال هذا الهاجس حاضرا لدينا.
مباشرة بعد علم الجزائر بالأمر أقامت أجهزة مراقبة صارمة بالحدود وفّرتها لها كوبا.
للإشارة إن الحدث الذي أثيرت حوله أقاويل بعين الشعير بخصوص رغبة بعض المغاربة في الالتحاق بالجزائر، هو فعل يَشِي باستراتيجية الجزائر للنيل من المغرب، وما وقع بعين شعير وراءه أياد جزائرية لإرباك المغرب، كما حاولت القيام بنفس الشيء ببوعرفة وبفكيك لخلق بلبلة بالنسبة للأجهزة الأمنية، وفعلا فإنهم نجحوا في ذلك.
- هل توصلتم بمواقف رسمية من جهات خارجية؟ وما هو مضمونها؟
- توصلنا بكتاب وارد من "سيركي طاراسكو"، وهو رجل قانون بمحكمة "لاهاي"، وجاء فيه أن المحكمة الدولية لا تعارض على مناقشة ملف الصحراء الشرقية، لكن هذه المحكمة لا تقبل إلا القضايا التي تثيرها الدول.
كما أن تحركات هيأتنا هي التي دفعت كونداليزا رايس لتقول للجزائر بأن هناك حدودا موروثة يجب دراستها.
كما توصلنا برسالة من السفارة الفرنسية تؤكد فحوى لقائها بنا حول هذا الموضوع، وقد طلب منا محدثنا ألا نعلن عنه للصحافة.
وفي هذا الإطار طلبنا من الملك محمد السادس استقبال وفد الصحراء الشرقية كما استقبله والده الراحل الحسن وجده الراحل محمد الخامس، كما يشرفنا أن يرعى هذا الوفد الأستاذ محمد بوستة ويكون على رأسه، اعتبارا لإيمانه الراسخ بقضيتنا.
وقد أكدنا هذا المطلب في المذكرات الست الموجهة إلى جلالة الملك والمذكرات الموجهة إلى الوزير الأول والذي وعدنا مؤخرا أنه سيعرض ملف الصحراء الشرقية للدراسة.
أما فيما يخص الموقف الأمريكي، يمكن القول إن "رايس" دخلت معنا على الخط بعد أن قامت هيأتنا بطرح القضية على الأمم المتحدة. وقد علمت من مصدر موثوق به أن الإدارة الأمريكية اتصلت بوزارة الخارجية المغربية وطلبت منها ملف الصحراء الشرقية وذلك في الكواليس، كما حضر أمريكيون إلى المغرب لمقابلة مسؤولين في الشؤون الخارجية، على إثر ذلك صرحت "كونداليزا رايس" أن هناك مشكلا موروثا وجب حله في إطار المغرب العربي.
عندما أبدت الولايات المتحدة الأمريكية جدية اقتراح الحكم الذاتي بالصحراء، كحل لإخراج ملف الصحراء من الحالة التي هي عليها، بذلك فهمت الجزائر بأن البساط سحب من تحت قدميها في الصحراء الغربية فخافت على الصحراء الشرقية، لذلك ساهمت في قيام الفتنة بسيدي إفني، وهي تحاول الآن استغلال أحداثها بكل ما أوتيت من قوة لإشغال المغرب، وهذه لعبة تتقنها الجزائر.
- ما هو موقف جيش التحرير من قضية الصحراء الشرقية؟
- على سبيل الإجابة سأحكي لكم حادثة واقعية، كان الأعضاء القياديون لجيش التحرير يجتمعون بالراشيدية، وكان أحد أبناء الصحراء الشرقية قائد المنطقة، هو حجازي باجي، أحد قيدومي المقاومة بالصحراء الشرقية، حيث ظل يجتمع مع المهدي بنبركة وعبد الرحمان اليوسفي والفقيه البصري والبشير الفكيكي، أي مع قادة جيش التحرير والمقاومة، وقال لي حجازي باجي بعظمة لسانه: "كنت أحضر تلك الاجتماعات مع هؤلاء، حيث يتذاكرون حول المقاومة في المرة الأولى والثانية والثالثة والرابعة ولم يسبق أن لاحظت أنهم تكلموا عن الصحراء الشرقية، فاضطررت إلى سؤال المهدي بنبركة حول القضية، فقال لي: "آ الفقيه نحن الآن نسعى إلى تحرير المغرب من أفقير ورباعتو وحنا ما مسالينش للصحراء الشرقية الآن".
ثم قال لي حجازي: "آنذاك فهمت أن موضوع استكمال التراب الوطني باقي بعيد، لذلك رجعت إلى وجدة وأخذت مسدسي وسلمته لعمر حميدو، عامل إقليم وجدة، وقتئذ، وقلت له: "احمل المسدس لاستخدامه في التحرير، وما دام أن التحرير مازال بعيدا فاحتفظ بهذا المسدس، وعندما سأحتاجه سأعود لاسترجاعه".
لقد قضي على جيش التحرير ولا يعرف المغاربة من قضى عليه؟ ثم تمت تنحيته لأن الجزائر لم ترغب في استمرار وجوده لأنها وعت مبكرا أنه سيكون ندا لها في الصحراء الشرقية، لذلك حركوا لوبيهم بالمغرب لإجهاضه، وهذه قصة أخرى.
- هل هناك امتداد للهيأة الوطنية للمناطق الشرقية المغربية المغتصبة خارج المغرب؟ وأين يتجلى هذا الامتداد؟
- بكل صراحة، إن هيأتنا لها امتدادات على الصعيد العالمي. لدينا امتداد في فرنسا، وعبر هذا الامتداد نخاطب نيكولا ساركوزي، وقد هيأنا مذكرة بهذا الخصوص وقدمناها له ونحن في انتظار الجواب لتشكيل وفد سيلتقي بالرئيس الفرنسي، لأننا نعتبر (نحن سكان الصحراء الشرقية) أننا لازلنا تحت الحماية الفرنسية بطريقة أو بأخرى، كما لدينا نفوذ في دول الخليج، ولنا ممثلون هناك، لاسيما في السعودية.
أما بالجزائر، فهناك 6 ملايين مغربي يشكلون امتدادا للصحراء الشرقية. علما أننا نناهض العنف وضد استخدام السلاح وضد القتل والتشريد، هذا هو الذي جعل القائمين على الأمور بالجزائر لا يفهمون دور أهالي الصحراء الشرقية، علما أنهم قاموا بحصارهم عسكريا، وهذا لم يمنع سكان تلك المنطقة المغتصبة من القيام بجملة من التحركات للتعبير عن موقفهم عبر الكتابات على الجدران ورفع العلم المغربي من حين لآخر ودعوة الجزائر للخروج من المنطقة وإرجاعها إلى أهلها.
ولدينا ممثلون داخل الجزائر، بالقنادسة وبشار وتوات وعين صالح وساورة وتيدكلت، ونحن على اتصال دائم بهم، حيث يقومون بزيارتنا هنا بالمغرب كلما دعت الضرورة إلى ذلك رغم عيون المخابرات الجزائرية التي تحاصرهم. كما أن الأجهزة الأمنية المغربية على علم بهذه التحركات.
ولا يخفى عليكم أن الجزائر ليس لها أي استعداد لإبرام أية اتفاقية مع المغرب، ويظل المغرب هو الوحيد الذي ينادي فعلا بوحدة المغرب العربي والاستغلال المشترك لثرواته الطبيعية، في حين إن الجزائر ترغب في تجزيء المنطقة وتريد أن تكون أقوى دولة بها، ولهذا استولت على نفطنا ومحروقاتنا بالصحراء الشرقية، وعبر هذا الاستيلاء دخلت في نادي دول "الأوبيك"، وبهذه المناسبة أطالب الدولة المغربية بطلب منع الجزائر من تمثيل تلك المنطقة بدول "الأوبيك" لأن نفط الصحراء الشرقية ليس جزائريا وإنما مغربي. وعلى الاستراتيجية المغربية أن تسير في هذا الاتجاه.
فالجزائر تسببت لنا في العديد من المحن والمآسي، منذ 1963 في حرب الرمال، إلى حرب أمكالا الأولى والثانية، وهناك عشرات الآلاف من الأموات المغاربة وعشرات الآلاف من الأرامل والأيتام بسبب إرهاب الدولة الجزائرية، والحالة هذه، أين هي الأخوة المتحدث عنها في إطار الاتحاد المغاربي؟
في الأسبوع الماضي كنت بوجدة وقمت بمعاينة المناطق الحدودية ورأيت بأم عيني الاستعدادات العسكرية الرهيبة التي أقامتها الجزائر على طول الحدود تحت غطاء محاربة التهريب والهجرة غير الشرعية، علما أن هذا التهريب نابع من النظام الجزائري نفسه وترعاه مخابراتها.
إن تغلغل الجزائريين وتسرباتهم بالمغرب الشرقي رهيبة، حيث وصل إلى حد إفساد الحياة بهذه المنطقة، إذ ساهم في إفلاس محطات توزيع الوقود والصيادلة، وما هذا إلا إحدى تجليات خطة القائمين على الأمور بالجزائر الرامية لإرباك المغرب اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا. فإذا دققنا في الأمور بجدية سنلاحظ أن كل خراب أصاب المغرب إلا ووراءه أيدي جزائرية.
- ما هو الدور الذي تلعبه العناصر الموالية للجزائر، خصوصا المتواجدة بالمغرب؟
- إن التغلغل الجزائري بالمغرب ليس وليد الساعة أو الظرفية، إنما بدأ مع حلول الاستعمار الفرنسي. هذا الاستعمار هو الذي طوق المغرب بالنفوذ الجزائري، حيث جاء بهم كمترجمين ومتعاونين معه للتواصل بين الإدارة الفرنسية والمغاربة، واستوطن هؤلاء المغرب وتجنسوا وأصبحوا مغاربة، لكن إذا كانت قلوبهم معنا فسيوفهم مع الجزائر.
والآن هناك لوبي جزائري يعيش بين ظهرانينا ويتحرك ببلادنا، فهل سبق وأن سمعنا أن جزائريا في المغرب ندد بما تقوم به الجزائر في حق المغرب والشعب المغربي؟ فنحن لدينا مغاربة بالخارج ينددون بالنظام المغربي فيما يتعلق بحقوق الإنسان والاختفاء القسري والسجون..، بينما لم نسمع من أي جزائري بالمغرب التنديد بما يقوم به النظام الجزائري من جرائم. إن الجزائريين بالمغرب وصلوا إلى مرتبة وزراء ومسؤولين كبار في الأمن وغيره، وبعضهم كانوا وراء جملة من الأحداث التي عرفها المغرب، بل أكثر من هذا يمكنني أن أقول إن محمد أفقير نفسه كان ضحية للنفوذ الجزائري، فوزارة الداخلية في عهده كانت "معششة" بالنفوذ الجزائري.
- هل سبق لكم أن تعرضتم لمضايقات من طرف المخابرات؟
- سأحدثكم بكل صراحة، لقد جلسنا مع الأجهزة الأمنية المغربية، كان الراحل الحسن الثاني مازال على قيد الحياة، وكنت آنذاك بمدينة فاس وصرحت لعبد الحكيم بديع، عندما كان في "الميثاق"، مراسلا للشرق الأوسط، في استجواب "ليس لأحد الحق في هذا البلد أن يفرط في أية قطعة أرض"، وكنا في شهر رمضان وقد اتصلت بي عناصر من الأمن حيث بقيت عندهم 3 أيام، أذهب إليهم في الصباح وأغادر في المساء وأعاود الكرة في اليوم الموالي، وكانت الخلاصة أنهم قالوا لي: "اعتبرونا جنودا معكم بخصوص هذه القضية"، وقد وُعِدنا آنذاك بملاقاة الملك الراحل الحسن الثاني لكن وافته المنية قبل أن يتم اللقاء الموعود.
والآن مازالت كل الأجهزة الأمنية على اتصال بنا. لقد جالست الأجهزة الأمنية الخطيرة، ولاحظت بأنهم على يقين أن توجهنا مغربي وأننا نسعى إلى الوحدة الترابية وضد التفرقة كيفما كان نوعها.
فالأجهزة الأمنية لا تضايقنا بخصوص هذه النقطة بالذات.
في بداية صيف هذه السنة (2008)، جلسنا مع أمنيين كبار من لادجيد، وكنت انتظر منهم رد فعل غير لائق، لكن لم يحدث ذلك أبدا.
- من الجانب الجزائري، هل من محاولات للاتصال بكم؟
- مؤخرا بعث إلينا الجزائريون بعض الإخوان لحثنا على طي الموضوع ونسيانه مقابل أي مبلغ مالي نطلبه.
وفي هذا الصدد وجبت الإشارة إلى أن المخابرات الجزائرية تمكنت من اختراق المغرب، كما أن هناك مسؤولين كبار احتلوا مراكز حساسة وهم من أصول جزائرية، ويجب تسمية الأشياء بمسمياتها، وهذا في نظري اختراق بشكل أو بآخر، ثم إنه في لحظة من اللحظات كان القصر الملكي يعج بالجزائريين، وهذا أمر لم يعد خاف على أحد الآن.
ولهذا الأمر قام إدريس البصري بإبعاد بندادوش، وقد ذكرت إحدى المنابر الإعلامية مسؤولين كبار من أصول جزائرية، لكنها اكتفت بذكر الأصل فقط دون الأعمال أو المؤاخذات وطبيعة المسؤوليات التي اضطلعوا بها.
- كيف تقرأون مواقف الأحزاب من قضية الصحراء الشرقية؟
- أخيرا بدأنا نلاحظ بوادر صحوة بهذا الخصوص، وقد تم استدعاء هيأتنا للحضور بمؤتمر الاتحاد الاشتراكي، وكان من وراء هذا الاستدعاء بنعيسى الورديغي، كذلك الأمر بخصوص مؤتمر حزب العدالة والتنمية، وعموما تقول أحزابنا، نعم أنتم محقون في المطالبة بالصحراء الشرقية لكن الطريق طويل، والمثير هو أن هذه القضية لازالت مغيبة من أدبيات الأحزاب السياسية والنقابات.
سبق لي أن قلت لعز الدين العثماني إن حزب العدالة والتنمية وليد الجزائر، باعتبار أن الدكتور الخطيب جزائري، وأنتم قمتم بتسيير حزبه وإعادة بعثه، وبالتالي فأنتم "مخدومون" أصلا، وكان هذا في حديث ساخن بمكتبه عندما كان أمينا عاما للحزب.
وهذا الحزب حتى الآن لم نسمع أنه تحدث ولو مرة واحدة عن اغتصاب الصحراء الشرقية بخيراتها ومحروقاتها من طرف النظام الجزائري.
وفي يوم افتتاح مؤتمر الاتحاد الاشتراكي، كان من ضمن الذين جاؤوا للسلام على وفد هيأتنا، العثماني وسعد العلمي، ثم التحق بهما آيت باها وقال لي كلمة خطيرة جدا شعرت كأنها طعنة خنجر في فؤادي "هل مازلتم طامعين ترجعوا الصحراء الشرقية؟" فقلت له: "بفضلكم، إذا كنتم يا معشر السياسيين وطنيين فعلا يمكن استرجاع الصحراء الشرقية وكذلك حقول نفطها وغازها".
في الحقيقة إن التنكر للتاريخ هو نوع من الإحباط، لاسيما إذا تزامن مع التعتيم، لاسيما تعتيم الصحافة، فبمناسبة انعقاد مؤتمر الاتحاد الاشتراكي لأول مرة في تاريخه تم استدعاء هيأتنا رسميا، إلا أنه لم تقم أية جريدة بنشر هذا الخبر.
وفي هذا الصدد وعدنا حزب الاستقلال أنه سيثير، في مؤتمره المقبل، موضوع الصحراء الشرقية، وإذا تم ذلك فسيكون مكسبا مهما لنا.
- ما موقف الاتحاد الاشتراكي من قضية الصحراء الشرقية؟
- كما قلت، جالسنا عيسى الورديغي أكثر من أربع مرات، وتأكدنا أنه يؤمن بمغربية الصحراء الشرقية والمطالبة باسترجاها، وكان قد وعدنا بطرح القضية مع اليازغي قبل استقالته، وهذا ما كان، لذلك تم استدعاء الهيأة الوطنية للمناطق الشرقية المغربية المغتصبة، وفي الجلسة الافتتاحية للمؤتمر كانت الفرصة سانحة للقاء سعد العلمي، الناطق الرسمي الحكومي بالبرلمان، وأخبرناه أن السفارة الفرنسية أكدت لنا أن فرنسا مستعدة للوقوف بجانب المغرب لكن شريطة أن تتحرك الحكومة المغربية في هذا المضمار.
وعموما عندما نجالس زعماء الأحزاب والقادة السياسيين نسمع منهم ما يفوقنا نضالا بخصوص الصحراء الشرقية، لكن هذه القضية لازالت مغيبة عن مواقفهم الرسمية ولا أثر لها في تحركاتهم.
التسميات
مغرب