الحرية في الفكر الفلسفي.. تقديس الفرد وتمجيد حرياته. الحرية مكفولة في الإسلام انطلاقاً من كفالة حرية الفكر والرأي شريطة عدم المساس بالثوابت والأركان

بدأت رحلة الحرية مع الفلاسفة أبتداءً من مدرسة القانون الطبيعي وهي مدرسة الفلاسفة اليونانيين المتأخرين وخاصة الرواقيين([1]).

والذين حاولوا تأسيس فكرة تقديس الفرد وتمجيد حرياته، وأن حقوقه سابقة على نشأة الدولة، وأن العقد الاجتماعي أبرم بين أفراد الشعب جميعاً من غير السلطات، وكان لهذه النظرية تأثير واضحٌ على الفلسفة السياسية للثورة الفرنسية وعلى إعلان الحقوق التي صدرت عقبها([2]).

وقد انتشر هذا المذهب وقوي سلطانه في ظل نظرية العقد الاجتماعي التي سادت في القرنين السابع عشر والثامن عشر والتي كانت تهدف إلى تحطيم القيود التي فرضها الحكم الاستبدادي السائد في ذلك الوقت على حريات الأفراد.

إلا أنه في مقابل هذا المذهب وكرد فعل عنه قام المذهب الاشتراكي على نقيض الحرية الفردية والذي لا ينظر للإنسان كفرد ولا يعطيه أي حق كفرد مطلقاً إلا أن يكون عضواً في مجتمع وذلك يقتضي التخلي عن فكرة الحقوق الطبيعية للفرد وذلك من خلال مذهبين:
1- المذهب لأول: يرى إلغاء الملكية الفردية إلغاءً تاماً ويعطى الفرد بقدر حاجته أو إنتاجه.
2- المذهب الثاني: يرى الاحتفاظ بالملكية الفردية واعتبارها وظيفة اجتماعية وليست حقاً فردياً مطلقاً ([3]).

وقد قررت حرية الإعلام في العصر الحديث في إطار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي صدر في عام 1948م والذي نص على ما يلي (أن لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير وحرية إعتناق الأفكار والآراء دون أي تدخل وإستقاء الأنباء ونشرها بأية وسيلة كانت دون التقيد بالحدود الجغرافية)([4]).

وبعد استعراض تاريخ الحرية الإعلامية على مر العصور يبدو أن المجتمعات والمذاهب الفكرية قد تخبطت في البحث عن الأفضل مع وجود صراع دائم بين فئات المجتمع حول قضية واحدة مما يؤكد لنا أن خير منظم لأمور مصيرية كالحرية لابد أن يكون تشريعاً سماوياً ، وأن خير سبيل لتحقيق صالح الجماعة والفرد على حد سواء دون أن يضر أحداهما بالآخر هو إتباع توجيهات القرآن.

ونظراً لتدرج واقع الحرية في المراحل السابقة من السلب نحو الإيجاب النسبي فإن أفضل من ألبس الحرية ثوب الواقعية، التي تتجاوب مع مطالب الشعوب والأفراد على مر العصور هو الإسلام حيث سوى بين الناس في الأصل الإنساني الواحد في طائفة من النصوص النبوية  ومنها قوله صلى الله عليه وسلم (كلكم بنو آدم، ليس لأحد على أحد فضل إلا بدين أو تقوى)([5]).

وليس أدل على ذلك من مباحث الفقه في المعاملات بين الناس حيث نرى دقة عجيبة وكذلك إن قرأت توجيهات عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى ولاته ترى مثالية تنظيم العلاقة بين الفرد والمجتمع والسلطة([6]).

والذي جاءت المواثيق العالمية بعد تلك النصوص بأربعة عشر قرناً لتقرر ما قرره الإسلام منذ أمد.
وفي هذا إشارة إلى أن الإسلام أتانا بخلاصة الحضارات البشرية بتوجيه رباني مبتدءاً من حيث انتهى الناس.

ويتجلى اهتمام الإسلام بقضايا الحريات العامة والتي تندرج تحتها الحرية الإعلامية من خلال النصوص التي تحث المسلمين على النصيحة على العموم والاهتمام بأمر الآخرين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وهي حرية مكفولة في الإسلام انطلاقاً من كفالة حرية الفكر والرأي شريطة عدم المساس بالثوابت والأركان.

([1]) مدرسة فلسفية أسسها زينون الرواقي في القرن الثالث قبل الميلاد والتي بدأت بالاهتمام بالذات والفرد ومشاكله على وجه الخصوص. (راجع موسوعة الفلاسفة د. فيصل عباس، ص 39- 40).
([2]) محمد علي إمام ، محاضرات في القانون، (بدون تاريخ نشر)، ص150.
([3]) المرجع السابق، ص42.
([4]) ليلى عبد المجيد، الصحافة في الوطن العربي، الدار العربية للنشر، القاهرة، 1990م، ص5.
([5])أخرجه أحمد حنبل، المسند، بيت الأفكار الدولية، الرياض، حديث رقم 17583، 1998م، ج4 ص185.
([6]) وهبة الزحيلي، حق الحرية في العالم، ص62- 64.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال