عدم التحيز في إيصال الحقيقة وعدم تفضيل شريحة من المجتمع على أخرى في توجيه الرسالة الإعلامية لأجل اعتبارات شكلية. في مثل هذا كان توجيه الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
فقال تعالى: " عَبَسَ وَتَوَلَّى* أَن جَاءهُ الْأَعْمَى* وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى* أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى* أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى* فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى* وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى" إلى قوله تعالى "كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ* فَمَن شَاء ذَكَرَه*ُ" ([1]).
أورد الطبري في سبب نزول هذه الآية عن ابن عباس رضي الله عنه قال "بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يناجي عتبة بن ربيعة وأبا جهل والعباس بن عبد المطلب، وكان يتصدى لهم كثيراً ويحرص عليهم أن يؤمنوا، فأقبل رجل أعمى يقال له عبد الله بن أم مكتوم، والرسول يناجيهم، فجعل عبد الله يستقرئ النبي آية من القرآن ويقول: علمني، فأعرض عنه الرسول صلى الله عليه وسلم وعبس في وجهه وتولى عنه وكره كلامه وأقبل على الآخرين، فنزلت هذه الآيات"([2]).
وفي هذه الآيات عتاب وتوجيه من الله عز وجل لنبيه لإعراضه عن الأعمى حين كان يخاطب وجهاء قريش وكبراءهم.
(أما من استغنى) أي كان ذا ثروة وغنى فأنت تعرض له وتصغي لكلامه.
(وأما من جاءك يسعى) أي يطلب العلم (فأنت عنه تلهى) أي تعرض عنه بوجهك وتنشغل بغيره.
(كلا إنها تذكرة) كلمة ردع وزجر أي ليس الأمر كما تفعل يا محمد مع الفريقين، ولا تفعل بعدها مثلها من إقبالك على الغني وإعراضك عن المؤمن الفقير([3]).
وخلاصة الأمر أن مجموع معاني الآيات هو توجيه الله لنبيه بأنّ ضعف هذا الأعمى لا ينبغي أن يكون باعثاً على كراهة كلامه والإعراض عنه لأن في ذلك إنكساراً لقلوب الفقراء([4]).
أما الوجهاء والأغنياء المعرضون فلا ينبغي التصدي لهم مع إعراضهم ووجود من يطلب الهدى والمعرفة من غيرهم، ولهذا الهدف النبيل أعرض صلى الله عليه وسلم عن الأعمى ومع ذلك عوتب من أجل رجل واحد، فكيف بمن يتجاهل أمماً فقيرة وشعوباً ضعيفة ويتناسى حاجات شرائح من المجتمع، ذنبها أنها ليست من الوجهاء.
لذلك يتوجب على الإعلامي أن لا يتوجه برسالته فقط نحو قومٍ يرجو رفدهم ومنفعتهم ويحل مشاكلهم التافهة وينسى أعداداً غفيرة من البشر هي أحوج ما تكون للمعرفة، ولرفع صوتهم حتى يسمعه العالم.
([1]) سورة عبس، الآيات 1-12.
([2]) الخالدي، مختصر تفسير الطبري، ج7 ص542.
([3]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج19 ص211- 215.
([4]) المراغي، تفسير المراغي، ج10 ص328.
التسميات
حرية إعلامية