عند أقدام جبال الأطلس الصغير الضارب في القدم ذي الصخور الداكنة اللون .. وعلى حافة رمال الصحراء الذهبية تلتحف القرية الصغيرة (فاصك) برداء الجبل العتيد تحتمي من ويلات الزمن الغابر ليحميها مما قد تجلبه لها الأيام .. بعد طرق ملتوية رسمت بصعوبة وسط صخور الجبل الشامخ (فج إيغني إمغارن) حيث عاث الإنسان فساد ليسخر كل ما جلبته الطبيعة لصالحه .. من أعلى الجبل ومن وسط الطريق العابرة من وسطه تتراءى الشجيرات المتمسكة بسفحه وتنتاب الجسد قشعريرة لمن يمر أول مرة خوفا من السقوط إلى قاع الهاوية .. ترابظ القرية الصغيرة التي لم تعد تصلها قوافل الجمال التي بيعت جماعات ووحدانا في (سوق امحيريش ) بمدينة (كلميم) الذي احتكر تجارة قبائل الصحراء في تجارة الجمال ذات يوم .. كما لا يسعف الوصول مشيا إلى عاصمة (آيت احماد) .. فلم يبق إلا سبيل امتطاء سيارات (بيجو) التي تستعمل كسيارات أجرة .. عمرها أكبر من بكثير حيث صنعت في بداية السبعينات أو أواخر الستينات .. تنظر بشغف إلى الوجوه الجديدة التي تلحفها سمرة واضحة وتلف الأجساد ملابس زرقاء للرجال (دراعية) ويتباهى بها من جلبها من (شنقيط) كما يسمونها .. أما الجنس الآخر الأكثر نعومة فلن تبدو لك منه إلا العينان وسط (ملحفة) تفنن صانعها في جعلها تظهر تضاريس الجسد الأنثوي متمايلا أمامك بخصره النحيل نادرا ومؤخرته الكبيرة التي يولونها اهتماما بالغا .. يلتقي الأصدقاء في بلاد (باب الصحراء) يسلمون على بعضهم بالأحضان (يدرعون) ..
قد تنتظر ساعات أحيانا ليجد سائق سيارة الأجرة عددا كافيا من الركاب .. تنطلق السيارة ودخان كثيف يتصاعد من خلفها كأن حريقا مهولا قد شب فيها .. تمخر عباب رمال الصحراء وقمم سلسلة الأطلس الصغير ترافقنا والمنظر يذكرني بأحد أفلام الغرب الأمريكي .. لكن لاخيول هنا وإنما قطعان من الجمال .. يتطوع أحدهم ليخبرنا بأنها آتية من بوادي الزاك أو المحبس أو حتى أوسرد .. ومن بعيد جدا تتراءى لنا القرية القابعة وسط فضاء حزين حيث لاخضرة ولا ماء وحيث لا يبدو من مظاهر الحياة إلا رياح مكفهرة محملة بحبات الرمال وبقايا النباتات الشوكية .. لكنها من بعيد تنادينا..
التسميات
شذرات