غض البصر وعدم الاطلاع على عورات الآخرين لان ذلك يعتبر تعدياً على حريات الأفراد وخصوصياتهم. وإن كان الأمر تحت شعار الحرية الإعلامية.
قال تعالى: "قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ"([1]).
في الآية توجيه بغض البصر عن المحرمات وما لا يجوز النظر إليه وهو أدب نفسي رائع. يقول القرطبي (وغض البصر واجب عن جميع المحرمات) ([2]).
ومثل هذا المحذور الذي يحمي خصوصيات الأفراد، ويقدر حرمة البيوت إنما يكون ضابطاً للإعلاميين في أثناء جمعهم للمادة الإعلامية بل هو في حقهم أوجب، وقد تقرر في أول البحث أن المنهج القرآني يصادر الحرية إذا صادرت حقاً للغير أو كبلت حرية أخرى بغير وجه حق، وهنا يأمرنا القرآن بغض البصر عن ما حرم النظر إليه، مما يعد حقاً للآخرين كعوراتهم وأعراضهم وتجاوز حرمات بيوتهم كل ذلك حرمه الله علينا.
فمن الأحرى البعد كل البعد عن التلصص على خصوصيات الآخرين بغرض نشرها وفضح الناس عبر الوسائل الإعلامية التي قد تغدو يوماً ما في بعض الدول منبراً للفضائح ونشر الفاحشة وكشف أسرار الناس.
ويدخل في ذلك ما نهى الله عنه في آيات سابقة من دخول بيوت الآخرين, بغير إذن أهلها فإذا كان مجرد الدخول بغير إذن محرم فإن إضافة ذلك إلى جريمة أخرى وهي فضح ما يدور داخلها ونشره دون إذن أصحاب الشأن، أشد حرمة وأدعى إلى مضاعفة العقاب.
وقد قال تعالى في تأكيد حرمة البيوت وضمان الخصوصية لها "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ*"([3]).
وقال صلّى الله عليه وسلم (من اطلع في بيت قوم من غير إذنهم حل لهم يفقؤوا عينه)([4]).
وبناءً على ذلك فإن إلزام الإعلاميين بهذا الحكم ليس فيه مساس بالحريات الإعلامية ولا مصادرة لها وإنما حماية لحقوق الأفراد واحترام لحرياتهم الخاصة.
([1]) سورة النور، الآية 30.
([2]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج12 ص223. الشوكاني، فتح القدير، ج4 ص31.
([3]) سورة النور، الآية 27.
([4]) النيسابوري، صحيح مسلم، كتاب الآداب 38، باب تحريم النظر في بيت غيره 9، حديث رقم 2158، ص855.
التسميات
حرية إعلامية