الانفصال والامتزاج بين الانتماء والولاء للهوية الوطنية والقومية وضعف الوعي الفكري والانضباط التنظيمي

إنّ التداخل والتشابك في دائرة كلّ من الانتماء والولاء، ثم في حالة الجمع بينهما ينتجان تنويعات سلوكية كثيرة، لكن توجّه هذه المقاربة نحو البحث في دوائر الانتماء والولاء المتصلة بالهوية يدفع إلى أن نقول ابتداءً: إنّ الانفصال، في مجتمعاتنا العربية بين الولاء والانتماء إلى الهوية الوطنية والقومية هو من أخطر الأمراض الاجتماعية والسياسية، ولا سيّما إذا كان هذا الانفصال في دائرة المنتمين إلى تنظيم سياسي واسع الانشار، وفي موقع السلطة والقيادة للدولة والمجتمع.

وهذا النمط من الانفصال يُنسب إلى الانتهازية تارة، وإلى ضعف الوعي الفكري والانضباط التنظيمي تارة أخرى، وإليهما معاً ثالثة، وتزداد خطورة هذا الانفصال في إمكانية وصولِ بعضٍ من أفراده إلى مواطن القيادة أو صنع القرار، فيكون مآل سلوكهم الإضرار بما ينتمون إليه، وقد ينقلبون إلى دائرة الأعداء حين تتهدّدُ مصالحُهم، وتُقوّضُ طموحاتُهم، إضافة إلى مشاركتهم في صنع المناوئين لانتمائهم والمشكّكين به، لكونهم نماذج مناقضة لما ينتمون إليه علناً.

وامتزاج الولاء بالانتماء إلى الهوية الوطنية والقومية أساسُه الوعيُ الصائب، والخلقُ القويم، والإرادةُ القوية؛ فبالوعي الصائب يدركُ المنتمي حقيقةَ ما ينتمي إليه، وبالخلق القويم ينحازُ إليه، وبالإرادة الصلبة ينجزُ ما يجب عليه تجاه الانتماء.

أمّا الخللُ في أيّ طرف من تلك المنظومة الثلاثية فينتج خللاً وضعفاً في جوهر الولاء إلى الانتماء، ومن المؤكّد أن تكامل تلك المنظومة لا يأتي صدفة، ولكن تصنعه السياسة المناسبة، والتوجهات في التربية والتعليم نحو الوعي الوطني والقومي.

ولامتزاج الولاء بالانتماء مستويات متعدّدة؛ فالانتماء الحزبي مثلاً لا يوجب الولاء للحزبِ وحده، بل ينبغي أن يقدّم عليه دائماً الولاء للوطن.

وفي هذا ما يدعو منتمي الأحزاب والتنظيمات التي تسير في توجّهات تعارضُ مصلحة الوطن والأمة إلى إعادة النظر في انتماءاتهم الحزبية وغيرها حتّى تتصالح توجّهاتها مع مصالح الوطن والأمة؛ لكون الولاء لها دليلا على تكامل المجتمع السياسي، وصواب أدائه فكراً وسلوكاً وتنظيماً.

وللأحزاب القومية دور ريادي في هذا المجال، وذلك في سعيها من أجل أنْ تكون وحدة الحزب الفكرية والتنظيمية منسجمةً مع وحدة مصالح الحزب ومصالح الجماهير، ومع وحدة وعي الحزب ووعي الجماهير.

ولعلّ من المهمّ جدّاً أن يُشارَ هنا ـ أيضاًـ إلى استبعاد إمكانية أن يُحصرَ ولاءُ الفردِ في انتماء واحد من انتماءات الهوية، كالانتماء إلى الهوية القومية دون الوطنية، أو الوطنية دون القومية، فذلك ضربٌ من المثالية إذا استبعدت الوطنية بالقومية، ونوعٌ من العصبية القطرية إذا استبعدت القومية بالوطنية.

أمّا الأكثر مناسبة فربّما يكون في تغليبَ واحدٍ منهما على الآخر، باحتواء القومي للوطني، أو بانفتاح الوطني على القومي على نحو جدل تصالحي، يتحقّق فيه التعايش بينهما، وفي ذلك تجاذب بين الولاء للوطنية والولاء للقومية، لكنّه تجاذب في دائرة الاعتراف بالآخر، والسعي للأفضل عبر التوافق معه، وفي ذلك توجّهات بنّاءة، يكون نقيضها في تنازع الولاءات، وسيرها نحو إنتاج انتماءات تناقض الهويّة الوطنية والقومية معاً.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال