عندما تعهد الرئيس بوش امام شعبه وامام العالم اجمع بانه سوف يتخلص من سرطان الارهاب الدولي الذي كان وراء جرائم احداث 11 سبتمر 2001 وان الحرب سوف تكون صليبية خرج النظام الليبي مباشرة ليعلن امام الجميع بانه من حق امريكا الانتقام من هؤلاء الارهابيين واينما وجدوا بل انه ذهب الي اعلانه بانه سيتطوع بالدم لضحايا مدينة نيويورك وتقديم المساعدات المالية لهم.
في ذلك الوقت لم يدرك النظام الليبي بانه هو الاخر سيكون مستهدفا من قبل الترسانة الامريكية العملاقة سوي كان ذلك علي المستوي الزمني القريب او علي المستوي الزمني البعيد حيث انه هو الاخر يعتبر في اعلي قائمة الارهاب وصانعيه وان اسمه مدرج في هذه القائمة حتي يومنا هذا.
لربما اراد النظام الليبي باعلانه السريع هذا ان يتجنب الغضب الامـــريكي ولكن النــــظام الليبي لم يدرك حتى يومنا هذا بـــان الســــياسة الخارجية الامريكية لا تحركها او تحكمها العواطف الطفولية ولا الغرائز البدائية التي تتأثر بالغضب او الانفعال.
السياسة الامريكية كغيرها من السياسات الغربية تقوم علي عاملين مهمين هما العقل والمصلحة حيث ان اي اجراء سياسي خارجي يرتبط بمستقبل الدولة يجب ان تتم دراسته مقدما ووفقا استراتيجية علمية محددة تشارك فها جميع اجهزة الدولة الرئيسية او الدوائر القرارية وان تكون هذه الدراسة شاملة لجميع النواحي بما فيها النفسية والاقتصادية والقانونية والعواقب والنتائج المحتملة علي الصعيد الزمني المباشر وعلي الصعيد الزمني الطويل والاخذ في الاعتبار دائما عامل المصلحة للشعب وهو المحرك الاساسي او الدافع لهذه السياسة.
لقد رأينا مند ايام كيف تكللت سياسة الحرب العراقية الامريكية بالنجاح بالرغم من اعتقاد الكثيرين بفشلها وهذا النجاح جاء بعد ان تم اقرار شرعيتها الدولية بعد صدور القرار رقم 1546 الذي اصدره مجلس الامن يوم الثلاثاء بالرغم من عدم اقرار المجتمع الدولي علي اتخاذ قرار الحرب دون قرار دولي من مجلس الامن بذلك.
الحرب في افغانستان وفي العراق أظهرتا نجاح السياسة الامريكية سواء علي المستوي الاقتصادي او الامني وللحصول علي مواد الطاقة هذا اضافة الي ذلك ضمان استقرار وامن اسرائيل وبعض البلاد الحليفة لها.
كما نجحت ايضا امريكا في تأمين استسلام النظام الليبي وتجريد الدولة الليبية من حقها في امتلاك اي سلاح يهدد استقرار جيرانها او حتي حيازتها لاي سلاح مهم يحميها للدفاع عن نفسها نتيجة لهذه الحروب.
المأزق الامريكي السعودي الليبي:
من هنا يمكننا تحليل المأزق الليبي الامريكي السعودي في ضوء المعطيات السياسية والعلاقات الدولية.
النظام الليبي كغيره من انظمة البلاد العربية كان يراهن علي ان المعركة في العراق ستكون طويلة ومتعبة لامريكا ولكن بعد سقوط بغداد بدون مقاومة والقبض علي صدام حسين لم يعد لهذه الانظمة الا المراهنة علي استمرار المقاومة في هذا البلد العربي مما سوف يجنبها من المواجهة المحتملة مع امريكا.
النظام الليبي منتهزا الاحداث العالمية لهذه الحرب ومنتهزا الانتقادات الدولية للسياسة الامريكية وعدم عثور امريكا وبريطانيا علي اسلحة دمار شامل بالعراق قام بتقديم هدية ثمينة الي الرئيس بوش ورئيس الوزراء البريطاني بلير باعترافه ببرنامجه للاسلحة غير التقليدية وبتسليمه لجميع المعدات الخاصة بالتقنــــية النووية والتي كبدت الشعب الليبي الاموال الطـــائلة لشرائها من الاسواق السوداء واسواق الخردة وبهذا الاجراء يكون قد اضاف انتصارا اخر الي التعويضات الهائلة بالمليارات من الدولارات لأسر ضحايا الطائرات المتفجرة فوق الصحاري الافريقية والقري الاوروبية والاعتراف الدولي بارتكابه لجرائم تفجير الطائرات المدنية وقتل ارواح بريئة وتفجير المراقص الليلية واقراره علنا ورسميا بكل هذا امام مجلس الامن وتأكيد وزير خارجيته علي تحمل كافة المسؤولية ناهيك عن صدور الاحكام القضائية من المحاكم الاسكتلندية والفرنسية والالمانية بالادانة بهذا الشأن.
النظام الليبي لم يعترف فقط وانما ايضا يقدم من وقت الي اخر العروض السخية ومن اهمها عرضه الاخير بتقديم التعويض الي اليهود الليبيين الذين تركوا ليبيا وذهبوا الي اسرائيل للقتال ضد الفلسطينيين.
النظام الليبي كان يتوقع بان كل تنازل ورضخ للغرب سوف يقربه الي امريكا وحلفائها وسيصبح صديقا حميما لهم بل انه يقبل بمبدأ وجود حماية لليبيا من قبل بريطانيا وامريكا.
بينما السياسة الامريكية ليس لها اصدقاء وانما لها استراتيجيات ومصالح تحددها وتنفذها في الوقت المناسب ووفقا لقواعد علمية وهو ما قاله السفير الامريكي الي الرئيس الزائيري موبوتو عندما ذهب الي مقابلته وطالبه بترك زائير والسفر الي المغرب الا ان الرئيس الزائيري قال وبغضب للسفير الامريكي وكيف لكم ان تتخلوا عني ولقد كنت صديقا لكم كل حياتي فقال له السفير الامريكي ان امريكا تقدر ذلك ولهذا سوف تساعدك في الرحيل قبل وصول المحاربين الي المطار.
اذن القضية التي تم الاعلان عنها في صحيفة نيويورك تايمز يوم الخميس 10 يونيو2004 والمتعلقة بمؤامرة اغتيال ولي العهد السعودي الامير عبد الله بن عبد العزيز والمتورط فيها مباشرة النظام السياسي الليبي هي قضية جنائية دولية ولها مخاطرها الكبيرة علي مستقبل العلاقات الامريكية الليبية والسعودية.
ووفقا لقول الصحافة نفسها ليس تاريخ هذه الحادثة هو تاريخ نشر المقال وانما يرجع تاريخها والاعداد لها مباشرة بعد المشادة التلاسنية بين حاكم ليبيا وبين الامير السعودي بشرم الشيخ في شهر مارس عام 2003 وفي اجتماع علني للجامعة العربية حيث اكدت الصحيفة علي ان اتخاذ قرار اغتيال الامير جاء بعد اللقاء الذي جمع السيد عبدالرحمن العمودي الذي كان يعمل في مجلس العلاقات الاسلامية الامريكية في عهد الرئيس كلينتون بحاكم ليبيا ورئيس استخباراته في شهر يونيو وشهر اغسطس من العام الماضي اي عام 2003 بمزرعته بمنطقة السدرة ونسق مع رئيس جهاز المخابرات الليبي ورئيس جهاز الامن الخارجي والاستخباري بغرض وضع خطة تشارك فها اجهزة المخابرات الليبية المتخصصة وتحت اشراف احد الضباط الليبيين العقيد محمد اسماعيل وباشتراك بعض عناصر المعارضة السعودية المتواجدة بلندن بهدف اغتيال الامير عبد الله وزعزعة الامور والاستقرار السياسي بالمملكة السعودية وتحويلها الي جماهيرية.
ويعتبر بذلك الشريك المهم في تنفيذ هذه الجريمة هو المتهم السيد عبدالرحمن العمودي الذي يعمل لصالح منظمات خيرية اسلامية بامريكا حيث تم القبض عليه بمطار لندن العام الماضي وبحوزته مئات الالاف من دولارات الشعب الليبي تم تقديمها له بلندن حيث تمت مصادرتها منه من قبل السلطات الجمركية البريطانية وذلك لعدم الاقرار عنها الا انه تم اخلاء سبيله واستمرار رحلته الي الخليج.
الا انه قبض عليه واودع السجن بعد رجوعه الي امريكا حيث كان الاتهام الموجه اليه في البداية هو مجرد اتهام اداري يتعلق بتردده علي ليبيا دون حصوله علي تصريح رسمي من الادارة الامريكية التي منعت في ذلك الوقت علي مواطنيها زيارة هذا البلد.
ولكن خلال التحقيقات الاولية تم الكشف عن علاقاته وتنقلاته السرية وسفره المستمر الي ليبيا وحصوله علي اموال بطرق غير شرعية من ليبيا كما اكتشفت ايضا الملايين من الدولارات الموجودة في حساباته المصرفية.
ولكن التحقيقات الامريكية سرعان ما كشفت خيوط العملية او المؤامرة التي كانت تدبر لاغتيال الامير السعودي عبد الله ابن عبد العزيز في الوقت ذاته السعودية هي الاخري اكتشفت خيوطا داخلية للمخابرات الليبية تقوم بنفس العمل مما استدعي الامر التعاون الامني السعودي والامريكي والمصري للكشف عن كل الخيوط وتحديد اصحابها والقبض علي رجل المخابرات الليبي المدعو العقيد محمد اسماعيل.
هذه الواقعة تشكل حدثا اجراميا دوليا مهما سوي علي المستوي العربي الداخلي وتبين الصراع الدائر بين ديوك العرب و تشكل حدثا مهما علي المستوي العالمي وتبين الادوار والالعاب السياسية الامريكية والاستراتيجيات ولعب الاوراق في الوقت الملائم والمحدد.
لذلك يجب القول هنا بان الادارة الامريكية وايضا الادارة السعودية كانا علي علم بوقائع هذه الحادثة منذ عدة شهور ولربما منذ التخطيط لها ولكن امريكا لم يكن لها اي مصلحة في اثارتها او نشرها عبر الاعلام وقبل الاستسلام الكامل للنظام الليبي وتسليمة مليارات الدولارات واستلامها فعلا في احد المصارف الامريكية وتعويض اسر ضحايا الطائرة الفرنسية والمهم ايضا هو استلام امريكا من ليبيا لجميع معدات التقنية النووية والمعلومات السرية والتفصيلية.
اذن السؤال الذي يطرح نفسه في حال صدق هذه الوقائع لماذا انتظرت امريكا كل هذا الوقت للافصاح عن هذه الحادثة ولماذا تم ذلك عبر وسائل الاعلام وليس عن طريق القنوات القضائية والدبلوماسية المتعارف عليها خصوصا وان اتفاقيات تجارية وسياسية تبرم وتنفذ كل يوم بين الادارة الامريكية والنظام الليبي وكان بالامكان ايقاف التعامل والاحتجاج الرسمي وطلب المعلومات وتقديم الاستفسارات.
ان نشر هذه الوقائع وخلال اجتماع الدول الثماني التي تمثل القوي الاقتصادية العظمي بجزيرة سي بولاية جورجيا الامريكية هو اتهام رسمي وتوضيح رسمي بان دول الشرق الاوسط يجب مراقبتها عن قرب واخذ الحذر من تصرفاتها خصوصا وانه جاء ايضا هذا الخبر او التقرير بصحيفة نيويورك تايمز بعد ان صدر القرار رقم 1546 الصادر عن مجلس الامن الذي اعطي الشرعية للتواجد الامريكي والحرب العراقية وبالتالي يعتبر هذا القرار قد فتح الطريق علي مصراعيه لامريكا وحلفائها بتأديب الانظمة المارقـــة تاريخــــيا ومستقبليا ومن هنا اعلن الرئيس الامريكي بخصوص هذا الموضوع ـ عندما نضع ايدينا علي الحقائق سنتعامل معها وفقا لذلك ـ وهو ما يسمي في اللغة الدبلوماسية ترك الباب مفتوح لاي اجراء دبلوماسي او عسكري او تأديبي.
وبالتالي يمكن السؤال هل سيكون مصير طرابلس ودمشق قريبا مثل مصير بغداد وكابول؟
ان امريكا ستلعب اوراقها السياسية والاقتصادية والقانــــونية كلما اســــتدعي الامر ذلك ووفقا لقواعد استراتيجية وفــــي المقابل النظام الليبي يعلم ان وضعه اصبح اكثر ضــــعفا بعد كل تنازلاته وان وضعه القانوني الدولي ليس طبيعيا وانه في موقف ضعيف امام الشــــعب العربي باكمله وانه مهدد الان من قبل المحكمة الدولية لجرائم الحرب في سيراليون وليبريا وخصوصا بعد تأكيدات النائب العام لهذه المحكمـــة علي اتهام حاكم ليبيا بذلك وايضا هناك مخاطر اخري تنتظر النظام الليبي بعد انشاء المحكمة الجنائية الدولية وبدء سريان العمل فيها.
التسميات
ثورة