لا يختلف أحد في ان العرب امة واحدة من المحيط الأطلسي حتى الخليج العربي، وان ما يحدث في اي قطر عربي يجد صداه او ينتقل تأثيره الى الأقطار الأخرى. هذا ما كشفه وبشكل واضح انتقال شرارة الثورة من تونس الى مصر ومنهما الى اليمن وليبيا والاردن والجزائر والمغرب والبحرين - دون ان ينتقل الى دولة خارج الوطن العربي - وإذا ما كان هذا الانتقال لشرارة الثورة مفهوما وحتميا وفق حقيقة وحدة الامة العربية، فان ما يثير التساؤل هو سرعة الانتقال من قطر الى اخر بحيث يسقط نظامان في اقل من شهر واحد، ويشتعل الشارع العربي بتزامن يجعل الاحداث تبدو وكأنها تنتقل بين مدن دولة واحدة وهو ما لم يقدم لنا التاريخ مثيلا له على الصعيد الدولي الا ـ الى حد ما ـ تفكك حلف وارسو وجمهوريات الاتحاد السوفييتي.
فانتقال تأثيرات الأحداث او استلهامها ـ غالبا ـ يأخذ فاصلة زمنية يستوعب فيها شعب معين تجربة شعب اخر في الثورة او البناء ليسير بهديها. ولا تنقل الثورة بسرعة هكذا إلا بين مدن دولة واحدة.
ومن هنا ينبع السؤال: هل أقطار الدول العربية المختلفة في شكل أنظمتها السياسية وإمكاناتها الاقتصادية وسياساتها الخارجية هي أقاليم او ولايات في دولة واحدة لتنتقل فيها شرارة الثورة في مثل هذه السرعة؟
او هل ان ما لم يكن يشاهده او يدركه احد هو ان الوحدة العربية قائمة على الرغم من التجزئة الظاهرة؟
وان ما يجري إنما هو إفصاح عن هذه الوحدة وإعلان لها عن نفسها؟
أم أن ما يحدث هو فعل تحركه في زمن واحد قوة ما هي مجهولة الآن ولكنها موجودة وسيفصح عنها واقع ما بعد الأحداث؟
بالتأكيد لا تعني هذه التساؤلات تشكيكا في براءة او صدق الثورة والثوار، كما لا تهدف ترويجا لفكر او تيار معين، ولكنها تساؤلات يفرضها العقل - بعد هدوء الفرح وبقاء عواطف التضامن - خصوصا وان المشترك في هذه الثورات انها من دون قيادات رأسية ظاهرة ومن دون احزاب مهيمنة، والظاهر فيها الى الآن أنها ثورات شعبية بالمعنى الاجتماعي الحرفي للشعبية. اي انها فوق الأحزاب والتكتلات - بمختلف أشكالها - تعرف ما تريد ولكنها من دون أدوات لتحقيق ما أرادته قي مرحلة ما بعد الانتصار - واعني بالأدوات القيادة الواحدة المتفق عليها - وهو الأمر الذي ادى الى جعل رموز او شخوص من النظم المهزومة المخلوعة سواء في تونس او مصر هي التي تتكفل او تشرف على تحقيق مطالب واهداف الثورة في البلدين - وعلى ما يبدو سيتكرر هذا في ليبيا.
وهنا يولد تساؤل آخر: كيف لثورات كبرى ان تنتهي هكذا دون قيادات تستلم زمام الأمور بعد الانتصار؟ وحين أقول قيادات اعني قيادات من داخل الثورة ومنفذيها لا قيادات أحزاب معارضة محدودة القاعدة والقدرة على نسبة الى حجم الثورة وإمكاناتها او قيادات من رجال حكم كانوا وما زالوا جزءا من الأنظمة التي تم إسقاطها.
وهنا تساؤل آخر: أين القيادات الفعلية التي حركت هذه الثورات وأدامت زخمها من الانطلاق الى النصر؟
ولماذا لم تظهر في واجهة المشهد وتقود إعادة البناء وفق توجهات وأهداف الثورة، مسلحةّ بقدرتها على إعادة الجماهير الى الشارع عند أي إحساس بالخطر او شعور بالتآمر على الثورة او التفاف على أهدافها وتسد الطريق امام لصوص الثورات وراكبي الموج الذين اندفعوا ذاتيا او بفعل فاعل للاستيلاء على النصر وتوجيه مسارات التغيير وفق مآربهم او مآرب القوى التي صنعتهم ليكونوا قادة رأي؟
ماجد الشاهري
التسميات
ثورة