الإيمان بالكتب السماوية لرسم المنهج الرشيد المحقق للكمال الإنساني والروحي والخلقي للإنسان.. بيان للتصور الإسلامي الاعتقادي

من أركان العقيدة الإسلامية الإيمان بجميع الكتب السماوية قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا} (136) سورة النساء
فهو بيان لعناصر الإيمان التي يجب أن يؤمن بها الذين آمنوا.

بيان للتصور الإسلامي الاعتقادي:
فهو إيمان باللّه ورسوله. يصل قلوب المؤمنين بربهم الذي خلقهم، وأرسل إليهم من يهديهم إليه، وهو الرسول (ص) وإيمان برسالة الرسول وتصديقه في كل ما ينقله لهم عن ربهم الذي أرسله.

وهو إيمان بالكتاب الذي نزل على رسوله. يربطهم بالمنهج الذي اختاره اللّه لحياتهم وبينه لهم في هذا الكتاب والأخذ بكل ما فيه، بما أن مصدره واحد، وطريقه واحد وليس بعضه بأحق من بعضه بالتلقي والقبول والطاعة والتنفيذ.

وهو إيمان بالكتاب الذي أنزل من قبل.بما أن مصدر الكتب كلها واحد هو اللّه وأساسها كذلك واحد هو إسلام الوجه للّه وإفراد اللّه سبحانه بالألوهية - بكل خصائصها - والإقرار بأن منهج اللّه وحده هو الذي تجب طاعته وتنفيذه في الحياة..

وهذه الوحدة هي المقتضى الطبيعي البديهي لكون هذه الكتب - قبل تحريفها - صادرة كلها عن اللّه. ومنهج اللّه واحد،وإرادته بالبشر واحدة،وسبيله واحد،تتفرق السبل من حولها وهي مستقيمة إليه واصلة.

والإيمان بالكتاب كله - بوصف أن الكتب كلها كتاب واحد في الحقيقة - هو السمة التي تنفرد بها هذه الأمة المسلمة. لأن تصورها لربها الواحد،ومنهجه الواحد،وطريقه الواحد،هو التصور الذي يستقيم مع حقيقة الألوهية. ويستقيم مع وحدة البشرية. ويستقيم مع وحدة الحق الذي لا يتعدد ..والذي ليس وراءه إلّا الضلال «فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ؟».

وبعد الأمر بالإيمان، يجيء التهديد على الكفر بعناصر الإيمان، مع التفصيل فيها في موضع البيان قبل العقاب:«وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً»..

وقد ذكر في الأمر الأول الإيمان باللّه وكتبه ورسله. ولم يذكر الملائكة. وكتب اللّه تتضمن ذكر الملائكة وذكر اليوم الآخر، ومن مقتضى الإيمان بهذه الكتب الإيمان بالملائكة وباليوم الآخر. ولكنه يبرزها هنا، لأنه موطن الوعيد والتهديد، الذي يبين فيه كل عنصر على التحديد.

والتعبير بالضلال البعيد غالبا يحمل معنى الإبعاد في الضلال،الذي لا يرجى معه هدى ولا يرتقب بعده مآب![1]

"لا بد أن يؤمن المسلم بجميع كتب الله -سبحانه وتعالى- المنزّلة على رسله الكرام؛ ليبلغوا بها دينه وشرعه إلى عباده، وذلك حتى يكتمل إيمان المسلم وتصح عقيدته."[2]

"وهذه الكتب هي الصحف المنزلة على إبراهيم - عليه السلام - والتوراة المنزلة على موسى -عليه السلام- والزبور على داوود -عليه السلام- والإنجيل المنزل على عيسى بن مريم -عليه السلام- ثم خاتمها المصدق لها والمهيمن عليها،...، وأشملها وأكملها وأعظمها والموجه إلى البشرية كاملة: القرآن الكريم المنزّل على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد (ص)"[3].

وعلينا أن نؤمن بجميع الكتب السماوية ولكن الإنجيل والتوراة الموجودة الآن حُرِّفت،وبالتالي لا يمكن أن نؤمن بما جاء بها.

ثمار الإيمان بالكتب السماوية:
(1)- يزيد من معرفة المؤمن بكتب الله التي أنزلها على عباده وما كان فيها من عقائد وشرائع، وذلك من خلال ما ورد في القرآن الكريم والسنة المطهرة في ذلك.

(2)- أنه يبين للمؤمن أن جميع العقائد التي دعت إليها هذه الكتب واحدة ولكن الشرائع مختلفة بحسب الزمان والمكان."[4]

(3)- "الاستهداء بما جاء في القرآن الكريم الخاتم للكتب السماوية، والناسخ لشرائعها وأحكامها والمهيمن عليها، والذي لم يفرط الله تعالى فيه من شيء، والذي جعله تبياناً لكل شيء، والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والذي تكفل بحفظه أبد الدهر من التحريف والتبديل، وذلك حتى تفلح العملية التربوية في تكوين الإنسان الصالح، لأن القرآن الكريم يرسم المنهج الرشيد الذي يحقق للفرد كماله الإنساني والخُلقي والروحي، بما يصلح دنياه وأُخراه،ويرسم معالم الحياة الفاضلة السعيدة للمجتمع المتعاون على البر والتقوى، المتكافل في السراء والضراء، الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر."[5]

[1]- فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (2 / 777)
[2]- انظر إلى محمد خير، فاطمه، منهج الإسلام في تربية عقيدة الناشئ، ص 338-368 السائح، عبد الحميد، عقيدة المسلم وما يتصل بها، ص 234-280، سهام مهدي جبار، الطفل في الشريعة الإسلامية ومنهج التربية النبوية، ص234، الزنتاني، عبد الحميد الصيد، فلسفة التربية الإسلامية في القرآن والسنة، ص112.
[3]- الزنتاني، عبد الحميد الصيد، فلسفة التربية الإسلامية في القرآن والسنة، ص 112.
[4]- محمد خير،فاطمه،منهج الإسلام في تربية عقيدة الناشئ، ص 367.
[5]- الزنتاني، عبد الحميد الصيد، فلسفة التربية الإسلامية في القرآن والسنة،ص 114.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال