الغيرة بين الانفعال النفسي وكراهة القبائح وبين محبة العذر الذي يوجب كمال العدل والرحمة

الغيرة هي الحمية والأنفة  يقال: رجل غيور وامرأة غيور بلا هاء لأن فعولاً يشترك فيه الذكر والأنثى، وفي رواية امرأة غيرى هي فعلى من الغيرة، والمغيار  الشديد  الغيرة.. والعرب تقول  أغير من الحمّى أي أنها تلازم المحموم ملازمة الغيور لبعلها. لسان العرب ج: 5 ص: 41
** الغيرة صفة من صفات الله عز وجل:
عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله r  قال: يا أمة محمد ما أحد أغير من الله أن يرى عبده أو أمته تزني يا أمة محمد لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً. رواه  البخاري ج: 5 ص: 2002 ح 4923
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي r  أنه قال: إن الله يغار وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله. رواه البخاري ج: 5 ص: 2002 ح 4925
وقد قرر شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى [ 6 / 120 ] اتصاف الله تعالى بهذه الصفة، والأدلة على ذلك، وأنها صفة كمال، كما رد على من زعم أنها انفعالات نفسية .
وعن المغيرة t قال: قال سعد بن عبادة t: لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح فبلغ ذلك رسول الله  صلى الله عليه وسلم  فقال: تعجبون من غيرة سعد والله لأنا أغير منه والله أغير مني ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا أحد أحب إليه العذر من الله ومن أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين ولا أحد أحب إليه المدحة من الله ومن أجل ذلك وعد الله الجنة. صحيح البخاري ج: 6 ص: 2698  ح 6980 
قال ابن القيم:  فجمع في هذا الحديث بين الغيرة التي أصلها كراهة القبائح وبغضها وبين محبة العذر الذي يوجب كمال العدل والرحمة والاحسان والله سبحانه مع شدة  غيرته يحب إن يعتذر اليه عبده ويقبل عذر من اعتذر إليه وأنه لايؤاخذ عباده بارتكاب ما يغار من ارتكابه حتى يعذر إليهم ولأجل ذلك أرسل رسله وأنزل كتبه إعذاراً وإنذاراً. وهذا غاية المجد والاحسان ونهاية الكمال فإن كثيراً ممن تشتد غيرته من المخلوقين تحمله شدة الغيرة على سرعة الإيقاع والعقوبة من غير إعذار منه ومن غير قبول العذر ممن اعتذر اليه بل قد يكون له فى نفس الامر عذر ولاتدعه شدة الغيرة أن يقبل عذره، وكثير ممن يقبل المعاذير يحمله على قبولها قلة  الغيرة  حتى يتوسع في طريق المعاذير ويرى عذراً ما ليس بعذر حتى يعذر كثيراً منهم بالعذر، وكل منهما غير ممدوح على الاطلاق. وإنما الممدوح اقتران الغيرة بالعذر فيغار في محل الغيرة ويعذر في موضع العذر ومن كان هكذا فهو الممدوح حقاً. الجواب الكافي ج: 1 ص: 43ـ 4.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال