هوية الإدارة التربوية.. المدير بين انتمائه لصنف الإدارة التربوية ووضعيته كممارس لمهام الإدارة التربوية

تحتل المؤسسة التربوية باعتبارها المجال الذي يتحقق فيه الفعل التربوي، موقعا متميزا في النظام التربوي.

كما أن مردودية ذلك الفعل تتوقف على مدى فعالية كل العاملين بالمؤسسة وفي مقدمتهم المدير، لأن فعالية الإدارة التربوية لابد لها أن تتبوأ المكانة الحقيقية ضمن سلم مسؤوليات المهام الإدارية والتربوية.

إلا أن الأمر يبدو أبعد ما يكون عن ذلك الشيء الذي يتجلى من خلال بقاء الإدارة التربوية المدرسية خارج أي من المبادرات التي عرفها نظامنا التربوي، الشيء الذي انعكس سلبا على وضعية هذه الإدارة، على خلفية أن التدبير التربوي يعتبر ركيزة في عملية التدبير الإداري.

لم يحدد المشرع المغربي للإدارة التربوية المدرسية هويتها القانونية، حيث أحجم عن ذكر مهام المدير تاركا الباب مفتوح للتأويلات دون ضبط، وذلك رغم أن المرسوم رقم 0/02/376-2002 الذي يعتبر نظاما خاصا بمؤسسات التعليم العمومي خاطبهم باسم المدير.

ويتجلى هذا في احتفاظ المدير بوضعيته الإدارية الأصلية كأستاذ، وجعله في وضعية تكليف إزاء المهام التي يمارسها، وهذا ما يفرض عليه الخضوع لوضعية انفصام بين انتمائه لصنف الإدارة التربوية، ووضعيته كممارس لمهام الإدارة التربوية من جهة، واندراجه في فئة الأساتذة من جميع النواحي من جهة ثانية.

إذ يمارس المعني بالأمر فعليا مهام المدير، لكنه من الناحية التشريعية لا يملك صفة المدير على مستوى الأجرأة، وهذه الوضعية، لا بد أن تؤدي إلى انعكاسات سلبية على أدواره ومهامه وطبيعة أدائه.

وهذا ما يجعل هؤلاء يحجمون عن المهام التي قد تكون موكولة إليهم لغياب الضمانات القانونية التي توضح هذه المهام، لأنهم إذا بادروا ونجحوا في إحدى المهام التربوية، تقوم الإدارة بتشجيعهم، أما إذا بادروا ولم يتحقق لهم النجاح، تسائلهم الإدارة عن المرجعية القانونية التي استندوا إليها في المهمة التي لم يتوفقوا فيها.

من ناحية أخرى، إن غياب تصور واضح لمفهوم الإدارة جعلها تتشكل تدريجيا مع ملامح الواقع الذي تعيشه الإدارة التربوية المدرسية.

وهكذا نجد ان الإدارة التربوية تقوم على التجربة الشخصية وعلى تدبير ما هو يومي، ولا تركز على قواعد وأسس علمية.

وبما أن كل تجربة شخصية مرتبطة بصاحبها فان مفعولها ينتهي بمجرد توقفه عن أداء مهامه في هذه المؤسسة أو تلك، لتبقى النتيجة المؤكدة هي غياب مفهوم الاستمرارية وانعدام التراكم الضروري للرفع من مستوى أداء الإدارة التربوية.

وبالنظر إلى هذا، والى هيمنة النظام المركزي أو الجهوي في تدبير شؤون قطاع التربية والتعليم، فان مكانة المؤسسة المدرسية قد تدنت إلى الحد الذي حول إدارتها مجرد فرع تابع لأصغر مصلحة في الإدارة الإقليمية مع تعدد هذه المصالح، لينحصر دورها الأساسي في تلقي الأوامر والتعليمات والاستجابة الفورية لكل المطالب الصادرة عن هذه المصلحة أو تلك، حتى أن تلك الاستجابة فرضت نفسها كمقياس أساسي في تقويم مستوى أداء هذه الإدارة أو تلك.

وهذا ما يفسر، طغيان الأعمال الكتابية الإدارية المحضة على حساب المهام التربوية التي تستهدف المتعلمين باعتبارهم قطب الرحى في العملية التربوية التعليمية.

وعلى الرغم من القصور التشريعي في تحديد هوية الإدارة القانونية، فان بعض البوادر الإيجابية ظهرت مع صدور الميثاق الوطني للتربية والتكوين والذي حدد في قسمه الأول من مجال حقوق وواجبات الأفراد والجماعات في المادة 18 منه، حيث أقر بأن المشرفين على تسيير المؤسسات التربوية والإدارات المرتبطة بها يتمتعون بنفس الحقوق المخولة للمدرسين، وعليهم واجبات تربوية، خاصة العناية بالمؤسسات من كل الجوانب، والاهتمام بمشاكل المتعلمين وبمشاكل المدرسين وتفهمها والعمل على إيجاد الحلول الممكنة لها، وتتبع أداء الجميع وتقويمه، ونهج مقاربة الحوار والتشاور مع كل الشركاء مع التدبير الشفاف والفعال، والعمل على ضمان حسن سير الدراسة والنظام في المؤسسة.

وتتم مهمة الإشراف على التدبير التربوي والإداري والمالي للمؤسسة ومراقبة العاملين بها، حسب الميثاق، في إطار احترام النصوص التشريعية والتنظيمية والمذكرات والمناشير المصلحية الجاري بها العمل.

إن هذه المفارقات تتحمل الإدارة مسؤوليتها في ذلك، لأن الطريقة المعتمدة حاليا في انتقاء المديرين تكرس هذا الوضع.

ولتجاوز هذا، لابد من فتح مراكز لتكوين المديرين لمدة سنة، على أن يكون ذلك مقرون بتحديد معايير ولوج هذه المراكز، والمواصفات النهائية التي يجب توفرها، خاصة إطار هؤلاء، على أن يتم ولوج مراكز التكوين والتخرج منه بناء على امتحان ينتهي بمنح هؤلاء دبلوم التدبير الإداري.

تكوين هؤلاء تكوينا فعليا حقيقيا يلامس المستجدات التربوية والقدرة على ترجمة الفعلوالممارسة التي تكتسي طابعا إجرائيا بهدف إحداث تغيير حقيقي على أداء الأساتذة عموما ومخرجات الفعل التربوي ومردودية عمل المتعلمين على وجه الخصوص، خاصة أن المستجدات التربوية تدخل في صميم مهام المدير فيما يتعلق بتحديد مواقع تدبير البرنامج الدراسي وتصريفه.

من جانبهم يشكو مديرو ومديرات المؤسسات التربوية العاملة بالمدارس الابتدائية من عدة مشاكل يعتبرونها أم المعوقات التي تحد من مهامهم الإدارية والتربوية، خاصة أولئك العاملون بالعالم القروي، حيث يشكل الإطار القانوني لمؤسسة المدير أهم النقط السوداء التي يعانيها المديرون.

ويطالب هؤلاء بتخصيص تعويض عن الوحدات المدرسية وتموضعها وتشتتها، وكذا عن البعد الجغرافي عن الإدارة الإقليمية والجهوية لأن التعويض الحالي لا يتجاوز 415 درهم.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال