ثمار الإيمان بالرسل عليهم السلام.. تحضير الناشئين للاقتداء بأخلاقهم والاهتداء بسنتهم

على المربين أن يغرسوا في نفوس أبنائهم التصديق الجازم بأن الله أرسل الرسل مبشرين بالجنة لمن يطيع أوامر الله، ومنذرين بالنار لمن يعصي الله [1]، قال تعالى: {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} (165) سورة النساء.

"ولا يكمل إيمان المسلم ولا يصح إلا بإيمانه بالأنبياء والرسل جميعاً من أولهم آدم - عليه السلام - إلى خاتمهم سيدنا محمد (ص) وقد اصطفى الله - عز وجل - من خلقه من البشر رسلاً أطهاراً ليبلغوا عنه دينه وشرعه، ويهدوا عباده إلى الصراط المستقيم ويخرجوهم من الظلمات إلى النور، وأيدهم الله بالبيّنات والمعجزات كبرهان على صدقهم، وإقناع الناس برسالاتهم."[2].
قال تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} (75) سورة الحـج.

 اقْتَضَتْ مَشِيئَةُُ اللهِ تَعَالَى أَنْ يَخْتَارَ رُسُلاً مِنَ مَلاَئِكَتِهٍِ الكِرَامِ، فِيمَا يَشَاءُ إِبْلاَغَههُ إِلى رُسُُلِهِ مِنَ البَشَرِ، وَأَنْ يَخْتَارًَ رُسُلاً مَنَ البَشَرِ لإِبْلاَغِ رسَالاَتِه إِلَى النَّاسِ، فَكَيْفَ تَقْتَرِحُونَ عَلَى مَنْ اخْتَارَهُ اللهُ رَسُولاً إِلَيْكُمْ؟ وَاللهُ سَمِيعٌ لِأَقْوَالِ العِبَادِ، بَصِيرٌ بِأحوالهمْ. عَلِيمٌ بِمَنْ يَسْتَحِقُّ مِنْهُم أَنْ يَخْتَارَ رُسُلاً مَنَ البَشَرٍ لإِبْلاَغِ رسًَالاَتِه إِلى النَّاسِ، فَكَيْفَ تَقْتَرِحُونَ عَلَى مَنْ اخْتَارَهُ اللهُ رَسُولاً إِلَيْكُمْ؟ وَاللهُ سَمِيعٌ لأَقْوَالِ العِبَادِ، بَصِيرٌ بِأحوالهمْ. عَلِيمٌ بِمَنْ يَسْتَحِقُّ مِنْهُم أَنْ يَخْتَارَهُ اللهُ لِحَمْلِ رِسَالَتِهِ.[3].

وقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (110) سورة الكهف.

قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلاَءِ المُشْرِكِينَ المُكَذِّبِينَ بِرِسَالَتِكَ:إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ،فَمَنْ زَعَمَ أَنِّي كَاذِبٌ فَلْيَأْتِ بِمِثْلِ مَا جِئْتُ بِهِ، فَإِنِّي لاَ أَعْلَمُ الغَيْبَ فِيمَا أُخْبِرُكُمْ بِهِ، مِنَ المَاضِي، عَمَّا سَأَلْتُمْ مِنْ قِصَصِ أَهْلِ الكَهْفِ، وَخَبَرِ ذِي القَرْنَيْنِ،مِمَّا هُوَ مُطَابِقٌ لِلْحَقِيقَةِ وَوَاقِعُ الحَالِ، وَلَوْ لَمْ يُطْلِعْنِي عَلَيْهِ اللهُ رَبِّي لِمَا عَلِمْتُهُ.

وَأَنَا أُخَبِرُكُمْ أَنَّ إِلهَكُمُ الَّذِي أَدْعُوكُمْ إِلَى عِبَادَتِهِ هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ لاَ شَرِيكَ لَهُ. فَمَنْ كَانَ يَرْجُو ثَوَابَ اللهِ (لِقَاءَ رَبِّهِ)، وَجَزَاءَهُ الحَسَنَ فِي الآخِرَةِ، فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً خَيِّراً مُوَافِقَاً لِلْشَّرْعِ،وَلاَ يُرِدْ بِهِ وَجْهِ اللهِ تَعَالَى.

(وَمُوَافَقَةُ العَمَلِ لِلْشَرْعِ،وَابْتِغَاءِ وَجْهِ اللهِ بِهِ هُمَا الرُّكْنَانِ الأَسَاسِيَّانِ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ الَّذِي يَتَقَبَّلُهُ اللهُ).[4].
وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (107) سورة الأنبياء.

وَمَا أَرْسَلْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ بِهَذَا وأَمْثَالِهِ مِنَ الشَّرَائِعِ والأَحْكَامِ إِلاَّ لِرَحْمَةِ النَّاسِ، وَهِدَايَاِهِمْ فِي شُؤُونِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَلاَ يَهْتَدِي بِهِ إٍِلاَّ المُتَهَيِّئُوْنَ لِتَقَبُّلِ الهُدَى.[5].

لقد أرسل اللّه رسوله رحمة للناس كافة ليأخذ بأيديهم إلى الهدى، وما يهتدي إلا أولئك المتهيئون المستعدون.
وإن كانت الرحمة تتحقق للمؤمنين ولغير المؤمنين..
إن المنهج الذي جاء مع محمد (ص) منهج يسعد البشرية كلها ويقودها إلى الكمال المقدر لها في هذه الحياة.

ولقد جاءت هذه الرسالة للبشرية حينما بلغت سن الرشد العقلي:جاءت كتابا مفتوحا للعقول في مقبل الأجيال، شاملا لأصول الحياة البشرية التي لا تتبدل،مستعدا لتلبية الحاجات المتجددة التي يعلمها خالق البشر، وهو أعلم بمن خلق، وهو اللطيف الخبير.

ولقد وضع هذا الكتاب أصول المنهج الدائم لحياة إنسانية متجددة. وترك للبشرية أن تستنبط الأحكام الجزئية التي تحتاج إليها ارتباطات حياتها النامية المتجددة، واستنباط وسائل تنفيذها كذلك بحسب ظروف الحياة وملابساتها، دون اصطدام بأصول المنهج الدائم.

وكفل للعقل البشري حرية العمل، بكفالة حقه في التفكير،وبكفالة مجتمع يسمح لهذا العقل بالتفكير.
ثم ترك له الحرية في دائرة الأصول المنهجية التي وضعها لحياة البشر، كيما تنمو وترقى وتصل إلى الكمال المقدر لحياة الناس في هذه الأرض.

ولقد دلت تجارب البشرية حتى اللحظة على أن ذلك المنهج كان وما يزال سابقا لخطوات البشرية في عمومه، قابلا لأن تنمو الحياة في ظلاله بكل ارتباطاتها نموا مطردا. وهو يقودها دائما، ولا يتخلف عنها، ولا يقعد بها، ولا يشدها إلى الخلف، لأنه سابق دائما على خطواتها متسع دائما لكامل خطواتها.

وهو في تلبيته لرغبة البشرية في النمو والتقدم لا يكبت طاقاتها في صورة من صور الكبت الفردي أو الجماعي، ولا يحرمها الاستمتاع بثمرات جهدها وطيبات الحياة التي تحققها.
وقيمة هذا المنهج أنه متوازن متناسق. لا يعذب الجسد ليسمو بالروح، ولا يهمل الروح ليستمتع الجسد.

ولا يقيد طاقات الفرد ورغائبه الفطرية السليمة ليحقق مصلحة الجماعة أو الدولة. ولا يطلق للفرد نزواته وشهواته الطاغية المنحرفة لتؤذي حياة الجماعة، أو تسخرها لإمتاع فرد أو أفراد.

وكافة التكاليف التي يضعها ذلك المنهج على كاهل الإنسان ملحوظ فيها أنها في حدود طاقته، ولمصلحته وقد زود بالاستعدادات والمقدرات التي تعينه على أداء تلك التكاليف، وتجعلها محببة لديه - مهما لقي من أجلها الآلام أحيانا - لأنها تلبي رغيبة من رغائبه،أو تصرف طاقة من طاقاته.

ولقد كانت رسالة محمد (ص) رحمة لقومه ورحمة للبشرية كلها من بعده والمبادئ التي جاء بها كانت غريبة في أول الأمر على ضمير البشرية، لبعد ما كان بينها وبين واقع الحياة الواقعية والروحية من مسافة. ولكن البشرية أخذت من يومها تقرب شيئا فشيئا من آفاق هذه المبادئ. فتزول غرابتها في حسها، وتتبناها وتنفذها ولو تحت عنوانات أخرى.

لقد جاء الإسلام لينادي بإنسانية واحدة تذوب فيها الفوارق الجنسية والجغرافية. لتلتقي في عقيدة واحدة ونظام اجتماعي واحد.. وكان هذا غريبا على ضمير البشرية وتفكيرها وواقعها يومذاك. والأشراف يعدون أنفسهم من طينة غير طينة العبيد.. ولكن ها هي ذي البشرية في خلال نيف وثلاثة عشر قرنا تحاول أن تقفو خطى الإسلام، فتتعثر في الطريق، لأنها لا تهتدي بنور الإسلام الكامل. ولكنها تصل إلى شيء من ذلك المنهج - ولو في الدعاوى والأقوال - وإن كانت ما تزال أمم في أوربا وأمريكا تتمسك بالعنصرية البغيضة التي حاربها الإسلام منذ نيف وثلاث مائة وألف عام.

ولقد جاء الإسلام ليسوي بين جميع الناس أمام القضاء والقانون.في الوقت الذي كانت البشرية تفرق الناس طبقات،وتجعل لكل طبقة قانونا. بل تجعل إرادة السيد هي القانون في عهدي الرق والإقطاع..

فكان غريبا على ضمير البشرية يومذاك أن ينادي ذلك المنهج السابق المتقدم بمبدأ المساواة المطلقة أمام القضاء..
ولكن ها هي ذي شيئا فشيئا تحاول أن تصل - ولو نظريا - إلى شيء مما طبقة الإسلام عمليا منذ نيف وثلاث مائة وألف عام.

وغير هذا وذلك كثير يشهد بأن الرسالة المحمدية كانت رحمة للبشرية وأن محمدا (ص) إنما أرسل رحمة للعالمين. من آمن به ومن لم يؤمن به على السواء. فالبشرية كلها قد تأثرت بالمنهج الذي جاء به طائعة أو كارهة، شاعرة أو غير شاعرة وما تزال ظلال هذه الرحمة وارفة، لمن يريد أن يستظل بها، ويستروح فيها نسائم السماء الرخية، في هجير الأرض المحرق وبخاصة في هذه الأيام.

وإن البشرية اليوم لفي أشد الحاجة إلى حس هذه الرحمة ونداها. وهي قلقة حائرة، شاردة في متاهات المادية، وجحيم الحروب، وجفاف الأرواح والقلوب..

وبعد إبراز معنى الرحمة وتقريره يؤمر الرسول (ص) بأن يواجه المكذبين المستهزئين، بخلاصة رسالته التي تنبع منها الرحمة للعالمين: «قُلْ: إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ.فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ؟».

فهذا هو عنصر الرحمة الأصيل في تلك الرسالة.عنصر التوحيد المطلق الذي ينقذ البشرية من أوهام الجاهلية، ومن أثقال الوثنية، ومن ضغط الوهم والخرافة. والذي يقيم الحياة على قاعدتها الركينة، فيربطها بالوجود كله، وفق نواميس واضحة وسنن ثابتة، لا وفق أهواء ونزوات وشهوات. والذي يكفل لكل إنسان أن يقف مرفوع الرأس فلا تنحني الرؤوس إلا للّه الواحد القهار. هذا هو طريق الرحمة.. «فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ؟».[6]

ثمار الإيمان بالرسل عليهم السلام:
"إن فلسفة التربية الإسلامية في القرآن والسنة النبوية المطهرة، توجه العملية التربوية ببرامجها ومناهجها ووسائلها التعليمية والتربوية في مختلف مراحل تعليم وتربية الناشئين إلى ترسيخ الإيمان بالرسل الأخيار عامة، وبخاتمهم سيدنا محمد (ص) خاصة والذي أرسلهم الله تعالى لطفاً منه إلى عباده لهدايتهم وإرشادهم.

وذلك كله قصد تحضير الناشئين على التأسي بهم والاقتداء بأخلاقهم والاهتداء بسننهم والاسترشاد بسيرتهم، وجعلهم الرمز الحي والقدوة المثلى والأسوة الحسنة في العبادة والطاعة وفي الإيمان والعمل وفي الصدق والإخلاص وفي العدل والأمانة وفي الأخلاق والسلوك وفي السيرة والتصرف، وفي المواقف، والاتجاهات، وفي المثابرة والاجتهاد، وفي الصبر على المكاره والشدائد وفي الجلد والتحمل، وفي أداء الحقوق والقيام بالواجبات وفي شتى مناشط الحياة والمعاملات والعلاقات."[7].

قال تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} (90) سورة الأنعام[8].

فهؤلاء الرهط الكرام الذين يقودون موكب الإيمان، هم الذين هداهم اللّه.وهداهم الذي جاءهم من اللّه فيه القدوة لرسول اللّه (ص) ومن آمن به. فهذا الهدى وحده هو الذي يسير عليه. وهذا الهدى وحده هو الذي يحتكم إليه، وهذا الهدى وحده هو الذي يدعو إليه ويبشر به.. قائلا لمن يدعوهم: «قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ».. للعالمين.. لا يختص به قوم ولا جنس ولا قريب ولا بعيد.. إنه هدى اللّه لتذكير البشر كافة. ومن ثم فلا أجر عليه يتقاضاه. وإنما أجره على اللّه![9]

[1]- انظر إلى محمد خير،فاطمه،منهج الإسلام في تربية عقيدة الناشئ، ص 369-395، السائح، عبد الحميد، عقيدة المسلم وما يتصل بها، ص 198-218. سهام مهدي جبار، الطفل في الشريعة الإسلامية ومنهج التربية النبوية، ص232-235.
[2]- الزنتاني، عبد الحميد الصيد، فلسفة التربية الإسلامية في القرآن والسنة، ص114-115.
[3]- أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 2550).
[4]- أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 2250).
[5]- أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 2496).
[6]- فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (4 / 2401).
[7]- الزنتاني، عبد الحميد الصيد، فلسفة التربية الإسلامية في القرآن والسنة، ص 117-118. انظر إلى محمد خير، فاطمه، منهج الإسلام في تربية عقيدة الناشئ، ص 393-395.
[8]- انظر التفاصيل في كتابي (الواضح في أركان الإيمان).
[9]- فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (2 / 1144).
أحدث أقدم

نموذج الاتصال