الذاكرة والميكانيزمات العصبحيوية وعمليات اكتساب الدماغ للمعلومات.. الميكانيزمات العصبكيميائية المنظمة للمسالك العصبية الرابطة بين الأنظمة العصبية النشيطة

شكل الاهتمام بالتغيرات الحاصلة بمشابك الخلايا العصبية فرصة كبيرة سنحت للباحثين التعرف على عدد من الميكانزمات العصبحيوية المزامنة لعمليات اكتساب الدماغ للمعلومات. 
إثارة مسلك عصبي لأول مرة.
تنشط الخلية العصبية رقم 1 بواسطة التدفق الكهربائي وتفرز كمية طفيفة من الوسيط العصبي بالحيز المشبكي.
بعد ذلك يتم تلاحم الوسيط العصبي بالمستقبِل العصبي الموجود بالخلية العصبية 2.
على ترتيب مونو كسيد الآزوط ‎‎‎ Noالذي يؤثر بدوره على الخلية العصبية 1.
بظهور التنبيه الثاني يلاحظ أن الخلية العصبية 2 تفرز كمية كبيرة من الناقل العصبي أو الوسيط العصبي وذلك تحت تأثير ‎No الذي يثير الحويصلات الإفرازية.
كمية كبيرة من المادة المستقبِلة تمكن من ترسيخ عدد كبير من جزئيات الوسيط العصبي ويتولد عن ذلك تنشيط أكثر للخلية العصبية الثانية.
هكذا تنشط الميكانزمات العصبكيميائية الخلايا القبل و البعد مشبكية وتمكن من نرسيخ الذكريات السارة والغير السارة وكذلك المعلومات الأدبية والعلمية والثقافية، وبالتالي تمكن دماغنا من نسج ذاكرة معقدة ومتنوعة المعلومات والمعطيات. 
أظهر عدد من الباحثين أن مرور جهد العمل ‎Potentiel d'action بمسلك عصبي موجود بالحصين أو قرن آمون ‎Hippocampe يرفع لمدة طويلة نشاط وفاعلية مشابك هذا المسلك.
بعبارة أخرى، يترتب عن إفرازات المواد الناقلة أو الوسيطة تمرير معلومات كهروفيزيولوجية من خلية إلى أخرى بكيفية أكثر سهولة.
وهكذا فالماسلك العصبية التي تم تنشيطها بمرور المعلومات التي هي في مرحلة التخزين تصبح أكثر فاعلية وترسيخا للمعلومات المعالجة.
وتؤكد التجارب أن المرور المكرر لجهد عمل خاص بنفس المعلومات المعالجة يجعل المسالك المعنية أسهل و أسرع لتعزيز هذه المعلومات من مرور معلومات جديدة. ـ رسم 1 و 2 بين المعطيات العصبكيميائية التجريبية المكتشفة بالحصين ـ.
وبينت نفس التجارب أن هذه التغيرات الفيزيوكيماوية يمكن أن تدوم لعدة أيام . ولهذا افترض أنها قد تشكل آثارا أو بصمات خلوية خاصة بالذاكرة الطويلة المدى.
لكن لابد من طرح سؤال يتعلق بتنظيم المسالك التذكرية.
هل هذه الآثار و البصمات هي التي تمثل فعلا، الميكانيزمات العصبكيميائية المنظمة للمسالك العصبية الرابطة بين الأنظمة العصبية النشيطة والخاصة بنوع المعلومات التي يعالجها ويحاول تخزنيها المتعلم؟.
هناك سؤال آخر لابد من طرحه وهو يتعلق بفهم الميكانزمات و السيرورات الخاصة بالتخزين المستمر بالقشرة الدماغية.
ويتعلق هذا بمحاولة فهم نوعية تخزين المعلومات بالجهاز العصبي.
هل تخزن المعلومات فعلا على شكل آثار؟
وما هـي هذه الآثار؟
هل بصمات لمرور الدفعات الكهروفيزيولوجية أو أنها آثار للنقال العصبي النشيط أثناء مرور هذه الدفعات أو أن الأمر يتعلق بشيء آخر يمكن افتراضه على نحو تفاعلات بين الدفعة الكهروفيزيولوجية و الناقل العصبي الموظف في النشاط العصبي المزامن لمعاجة المعلومات و اكتسابها؟
إن كل هذه الأسئلة مقبولة، خاصة وأن الأمر يتعلق بتحديد آليات وميكانزمات الخلايا العصبية ودورها في اكتساب المعلومات واختزانها.
بعبارة أخرى يمكن أن نتساءل عن شكل ونوع الآثار العصبفيزيوكيميائية التي تمكن من اكتساب وتخزين المعلومات بالجهاز العصبي.
إذن، هل تخزن ذكرياتنا بتراكم المواد الكيميائية أو بدفعات كهروإيقاعية؟
هل تدرج أو تدمج الذكريات بكيفية مستديمة أو أنها تنتج وتبرز بكيفية موازية ومتزامنة مع إثارة صورة الحاضر؟
لا بد أن نكون حذرين بالنسبة للتفسيرات و التأويلات التي يمكـن أن نصدرها في هذا المضمار.
أولا لأننا لازلنا نجهل الكثير عن ميكانزمات الجزئيات العصبية المرتبطة فعلا بالذاكرة.
كما أنه ليس لدينا لحد الآن سوى فرضيات تم تمحيصها بواسطة مقاربات محدودة وتقنيات جزئية لم تمكننا من تحقيق التوقعات النظرية التي صيغت في جل ميادين علوم الأعصاب وخاصة علوم الأعصاب المعرفية ‎Neurosciences congnitives ويبدو هذا طبيعي لأن ميدان البحث العلمي يتغذى بما هو نظري قبل أن تثبت التجارب صحة أو عدم صحة التوقعات النظرية.
فالفرضيات إما أن تعزز وتفسر أو ترفض وتعاد صياغتها وفق المعطيات التي أبانت عدم صحتها.
وهذا ما يجعل المعرفة العلمية تبنى انطلاقا ليس فقط على التفسير و التأويل والتنطير بل كذلك على المعطيات التطبيقية التي تعطي للتنظير المصداقية و المتانة المعرفية، وذلك وفق معايير علمية متفق عليها إبستيمولوجيا.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال