مدى الحاجة لعمل التلميذ خارج القسم وامتلاك القدرة على تنظيم امكانيات التلاميذ وتنشيط ملكاتهم

غيرت التربية الحديثة طبيعة العلاقة بين المعلم والمتعلم فارتقت بها من مستوى العلاقة العمودية السلطوية التي تربط بين باث ومتقبل، بين مالك المعرفة وطالبها إلى مستوى علاقة أفقيـة بين منشــط رشيــد وعناصــر نشيطـة تتدفــق حيوية وتمتلـك من القــدرات والملكــات ومن المعطيــات والمكتسبات التي لا تحتـاج إلى معلـم وإنما تحتـاج إلى موجه يمتلك القــدرة على تنظيم تلك الإمكانيات وتنشيط تلك الملكات والقدرات واستفزازها لتعبر عن وجودها.

وكذلك تحولت مهمة المربي إلى ضرب من تنظيم نشاط المتعلمين، وتنمية ملكاتهم وتدريبهم على المشاركة الفاعلة في تسيير الدرس وإنجاز العملية التربوية وهي مهمة تقتضي أن يتوفــر للمتعلمين حد أدنى من المعطيات ينطلقـون منها ويبنـون نشاطهم الذهني عليها، وهي معطيات قد تكون نوعا من المكتسبات والخبرات السابقة يستفز الأستاذ أذهـان التلاميـذ لاستعادتها لغاية تنظيمـها وإثرائها وتعميقها مثلما هو الحال مع كثيـر من المواد الاجتماعــية.

وقد تكـون هذه المعطيــات ضروبــا مـن المعينات والموضحـات السمعيـة أو البصرية أو السمعيـة البصريـة أو النصية الموثقة يوفرها الأستاذ و يساعــد التلاميــذ على حسن استثمــار واستنتاج معلومات الدرس من خلالها، فإن لم يكن هذا ولا ذاك فقد يلتجئ الأستاذ إلى تكليف التلاميذ ببحث مسبق أو بتكويـن ملفـات فيكـون عمل التلميذ خـارج القسـم عبـارة عن ضرب من المعينـات يوفرها التلاميذ بأنفسهم لتكون لهم بمثابة التمهيد والعمل التحضيري الذي يوفر لهم الحد الضروري من المعطيـات اللازمة لمشاركتهم في معالجة قضايا الدرس ومسائله، فكرية كانت أو علمية أو اجتماعية أو لغوية لسانية.

كذلك قد لا يستطيع التلاميذ استيعـاب كل المعلومات المقـررة لهم في درس ما بسبب ضيق الوقت، فتلميذ المدرسة التونسية ينشط داخل مجموعة من المتعلمين لا تقل عن الثلاثين فردا إلا في القليل النادر إذ غالبــا ما يكون عدد تلاميذ الفصل الواحــد متراوحا بين الثلاثيــن و الأربعين تلميذا، ومن ثم فإذا استثنينا الدروس التطبيقية التي يقسـم فيها تلاميــذ الفصل إلى فرق ومجموعات صغيرة تمكن كل واحد منهم من ممارسة التجربة العلمية أو مباشرة العمــل التطبيقي فعلا.

إذا استثنينا ذلك واعتبرنا عدد تلاميذ الفصل خمسة وثلاثين فقط وجدنا أن نصيب تلميذنا من المباشرة الفعلية و المشاركة العملية في النشاط والتعبيــر الذاتي عن وجوده والإفصاح عن خواطره وتصوراتــه ومواقفه هو دائما على غاية من المحدودية مهما اعتمد المدرسون من الطرق النشيطة إذ يكون حظ التلميذ الواحد من النشــاط الشخصي والممارسة الفردية المباشرة مساويا لنسبة الزمن الذي يقضيه في قاعة الدرس مقسوما على عـدد تلاميذ الفصل (50 دقيقة مقسومة على 35 تلميذاÜ 50/35 =1.42) هـذا إذا كان الأستاذ عــادلا في توزيع النشاط و المشاركة بين تلاميذه و حرص على تنشيط جميعهم وضمان مشاركة الخامل والنشيط على حد السواء.

وإذا تجنب الإهدارات ووفق إلى استثمار الوقت المخصص للدرس كاملا  دون أية إهدارات وأية إضاعة.

على هذا الأساس تكون بعض دروسنا المقــررة في برامجنــا تحتاج إلى تكليف التلاميـذ بعمل تمهيـدي مسبــق و تكون بعض موادنا تحتاج إلى تكثيف التمارين المنزلية وتكليف التلاميذ بأعمال تكميلية لاحقــة يمارسونها خارج القسم.

ومن هذا المنطلـق تكون الحاجة إلى تكليـف التلاميذ بأعمال خارج القسم من الحاجات التربويـة الحيويـة التي ينبغي أن يكون لها نصيبها في البحــوث والدراسات التربوية تنظيــرا وتطبيقا وضبطا للمقاييس والقواعد التقنية اللازمة لتنظيم عمل التلميذ خارج القسـم و ضمان حسن استثماره.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال