لقوله تعالى {وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ } ( البقرة 221 )
فالزوج صاحب الدين هو الذي إذا أحب زوجته أكرمها وإن كرهها لم يظلمها ..
- أخرج الترمذي بسند فيه مقال وحسنه لبعض شواهده من حديث أبي هريرة أن رسول الله ص قال:
"إذا أتاكم من ترضون دينه وخُلُقه فزَّوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض".
فصاحب الدين لا يظلم إذا غضب ولا يهجر بغير سبب ولا يسئ معاملة زوجته ولا يكون سبباً في فتنة أهله عن طريق إدخال المنكرات وآلات اللهو في البيت بل يعمل بقول النبي ص والذي أخرجه ابن ماجة:
"خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي".
فينبغي لولي المرأة أن ينظر في دين الرجل وأخلاقه لأن المرأة تصير بالنكاح مرقوقة ومتى زوجها وليُّّها من ظالم أو تاركاً للصلاة أو فاسقاً أو مبتدعاً أو شارب خمر أو مخدرات فقد جنى على دينها وتعرض لسخط الله لأنه كان سبب لقطع الرحم بسبب سوء الاختيار.
- قال رجل للحسن: قد خطب ابنتي جماعة فمن أزوَّجها؟
قال: ممَّن يتقي الله فإن أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها.
قال القرطبي في (تفسير قوله تعالى):
{إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} (القصص 27).
وقد جاء موسى إلى صالح مدين غريباً طريداً خائفاً وحيداً جائعاً عرياناً فأنكحه ابنته لما تحقق من دينه ورأى من حاله وأعرض عما سوى ذلك.
- فمما لا شك فيه أن التساهل في عدم الاهتمام بتدين الخاطب أساس الضياع والشقاء في الدنيا والآخرة.
فينبغي الحرص على صاحب الدين وإن كان فقيراً.
- فقد أخرج البخاري من حديث أبي العباس سهل بن سعد الساعدي (ض) قال:
" مَرَّ رجل على النبي ص فقال لرجلٍ عنده جالس ما رأيك في هذا؟ فقال: رجلٌ من أشرافِ الناس هذا والله حريٌ إن خطب أن يُنكحَ وإن شفعَ أن يُشفع
فسكت رسول الله ص ثم مرَّ رجلٌ آخرُ فقال له رسول الله ص: ما رأيك في هذا؟
فقال : يا رسول الله هذا رجلٌ من فقراء المسلمين هذا حريٌ (1) إن خطب أن لا يُنكح وإن شفع أن لا يُشفع وإن قال لا يُسمع لقوله ، فقال رسول الله ص: هذا خيرٌ من ملءِ الأرض مثل هذا " .
- أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة عن النبي (ص) قال:
" لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة (2)عيسى بن مريم وصاحب جريج وكان جريج رجلا عابدا فاتخذ صومعة(3) فكان فيها فأتته أمه وهو يصلى فقالت يا جريج فقال يا رب أمي وصلاتي(4) فأقبل على صلاته فانصرفت فلما كان من الغد أتته وهو يصلى فقالت يا جريج فقال يا رب أمي وصلاتي فأقبل على صلاته فانصرفت فلما كان من الغد أتته وهو يصلي.
فقالت: يا جريج.
فقال أي رب أمي وصلاتي فأقبل على صلاته.
فقالت: اللهم لا تمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات(5) فتذاكر بنو إسرائيل جريجا وعبادته وكانت امرأة بغى يتمثل بحسنها
فقالت: إن شئتم لأفتننه لكم قال فتعرضت له فلم يلتفت إليها فأتت راعيا كان يأوي إلى صومعته فأمكنته من نفسها فوقع عليها فحملت فلما ولدت قالت هو من جريج فأتوه فاستنزلوه وهدموا صومعته وجعلوا يضربونه.
فقال: ما شأنكم.
قالوا: زنيت بهذه البغي فولدت منك.
فقال أين الصبي فجاؤوا به.
فقال: دعوني حتى أصلى فصلى فلما انصرف أتى الصبي فطعن في بطنه.
وقال: يا غلام من أبوك قال فلان الراعي.
قال فأقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به وقالوا نبني لك صومعتك من ذهب.
قال لا أعيدوها من طين كما كانت ففعلوا.
وبينا صبي يرضع من أمه فمر رجل راكب على دابة فارهة(6) وشارة حسنة(7).
فقالت أمه اللهم اجعل ابني مثل هذا فترك الثدي وأقبل إليه فنظر إليه.
فقال: اللهم لا تجعلنى مثله ثم أقبل على ثديه فجعل يرتضع قال فكأني أنظر إلى رسول الله r وهو يحكى ارتضاعه بإصبعه السبابة في فمه فجعل يمصها.
قال: ومروا بجارية وهم يضربونها ويقولون زنيت سرقت وهي تقول حسبي الله ونعم الوكيل فقالت أمه : اللهم لا تجعل ابني مثلها فترك الرضاع ونظر إليها.
فقال: اللهم اجعلني مثلها فهناك تراجعا الحديث(8).
فقالت: حلقي مر رجل حسن الهيئة فقلت اللهم اجعل ابني مثله فقلت : اللهم لا تجعلنى مثله ومروا بهذه الأمة وهم يضربونها ويقولون زنيت سرقت.
فقلت: اللهم لا تجعل ابني مثلها.
فقلت: اللهم اجعلني مثلها.
قال: إن ذاك الرجل كان جبارا.
فقلت: اللهم لا تجعلنى مثله وإن هذه يقولون لها زنيت ولم تزن وسرقت ولم تسرق.
فقلت: اللهم اجعلني مثلها ".
______________________________
(1) حري : أي حقيقة .
(2) إلا ثلاثة : أي من بني إسرائيل .
(3) صومعة : البناء المرتفع المحدد أعلاه .
(4) أمي وصلاتي : أي أجتمع على إجابة أمي وإتمام صلاتي فوفقني لأفضلها .
(5) المومسات : وهن الزواني .
(6) دآبة فارهة : حاذقة نفيسة .
(7) شارة حسنة : هي الجمال الظاهر في الهيئة والملبس .
(8) تراجعا الحديث : أي حدثت الصبي وحدثها .
قال الحافظ في ( فتح الباري )في هذا الحديث
عظم بر الوالدين وإجابة دعائهما ولو كان معذوراً ، وفيه أن صاحب الصدق مع الله لا تضره الفتن ، وفيه أن المفزع في الأمور المهمة إلى الله يكون بالتوجه إليه في الصلاة .
وانظر لحرص السلف على اختيار الزوج صاحب الدين وإن كان فقيراً
1- فها هو سعيد بن المسيب وهو سيد التابعين وأكثرهم علماً وفقهاً (ت: 94)
كانت له ابنة من أحسن النساء وأكثرهن أدباً وعلماً وأعلمهن بكتاب الله وسنة رسوله r فخطبها الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان لأبنه الوليد بن عبد الملك ابن سعيد ولكن سعيد بن المسيب أبىَ أن يُزوجه إياها وزوجها لتلميذ من تلامذته ( وهو كثير بن أبي وداعة )
وكان فقيراً فأرسل إليه بخمسة الآف درهم وقال استنفق هذه فلما جاء الصباح أراد كثير بن وداعة الخروج إلى حلقة سعيد بن المسيب
فقالت له: إلى أين؟
قال: إلى حلقة سعيد أتعلم العلم
فقالت: اجلس أعلمك علم سعيد بن المسيب فجلس فعلمته
فانظر كيف فضل سعيد العبد التقي على الجبار الغني ، وأن هذا العبد التقي يعرف حقها ويرعى حق الله فيها.
2- وها هو ثابت بن إبراهيم
يمر على بستان من البساتين وكان قد جاع حتى أعياه الجوع فوجد تفاحة ساقطة منه فأكل منها النصف ثم تذكر أنها لا تحل له إذ ليست من حقه ، فدخل البستان فوجد رجلاً جالساً فقال : أكلت نصف تفاحة فسامحني فيما أكلت وخذ النصف الآخر.
فقال الرجل : أما إني لا أملك العفو ولكن أذهب إلي سيدي فالبستان ملك له.
فقال : أين هو ؟ ، قال : بينك وبينه مسيرة يوم وليلة.
فقال : لأذهبن إليه مهما كان الطريق بعيداً لأن النبي ص قال: " كل لحم نبت من سُحت فالنار أولى به ". حتى وصل إلى صاحب البستان فلما دخل عليه وقصَّ عليه القصص قال صاحب البستان: والله لا أسامحك إلا بشرط واحد فقال ثابت : خذ لنفسك ما رضيت من الشروط.
فقال: تتزوج ابنتي ولكن هي صماء عمياء بكماء مُقعدة.
فقال ثابت : قبلت خِطبتها وسأتاجر فيها مع ربي ثم أقوم بخدمتها وتم عقد الزواج.
فدخل ثابت لا يعلم هل يُلقي السلام عليها أم يسكت لكنه آثر إلقاء السلام لترد عليه الملائكة، فلما ألقى السلام وجدها ترد السلام عليه بل وقفت وسلمت عليه بيدها، فعلم أنها ليست كما قال الأب فسألها فقالت: إن أبي أخبرك بأني عمياء فأنا :
عمياء عن الحرام فلا تنظر عيني إلى ما حرم الله، صماء من كل ما لا يرضي الله، بكماء لأن لساني لا يتحرك إلا بذكر الله، مُقعدة لأن قدمي لم تحملني إلي ما يُغضب الله.
ونظر ثابت إلى وجهها فكأنه القمر ليلة التمام ، ودخل بها وأنجب منها مولوداً ملأ طباق الأرض علماً إنه الفقيه أبو حنيفة النعمان .. فمن نسل الورع جاء الفقيه.
التسميات
زوجية