موقف الشريعة من الغريزة الجنسية والهوس الغربي.. أوربا لم يكن سبب ارتقائها هو انسلاخها عن مناهج الفطرة ومقتضيات الأدب

إن علماء الدين ما نادوا في بلادنا يوما ما بكبت الغريزة الجنسية، ونحن نقدس فطرة الله التي فطر الناس عليها، ونحترم رغبة الذكر والأنثى في لقاء مقنع مشبع، وسبيل ذلك الزواج فحسب .. أما تيسير الزنا وتكثير أسبابه وتمهيد سبله وقبول نتائجه فهو ارتكاس إنساني يصحب الأمم عندما تبدأ شمسها في الغروب .
وتاريخ الأمة العربية والإسلامية معروف بأنه لم يغترف بالرهبانية كما لم يغترف بتبرج الجاهلية واستباحة الأعراض على نطاق ضيق أو واسع، فوصف الزنا العام بأنه زواج جماعي كلام قذر، وأي تمهيد لقبوله ـ كما ألمح الكاتب ـ مردود في وجه صاحبه.
ثم إن العرب خلال هذا القرن قد حاقت بهم رزايا متلاحقة ثم استطاع عدوهم أن يضع أصابعه على مقاتلهم، وها هو يشد قبضته على خناقهم ليوردهم الحتوف.
وصيحة العلم والإيمان التي ارتفعت بيننا الآن هي أمل الحياة، فلحساب من تغرى أفواج الشباب بالانحلال والتردي، ويحددها كاتب مسلوخ عن الإيمان والعقل لتنسى ربها وشرفها ويومها وغدها!
نحن نعلم أن أوربا ارتقت في العصور الأخيرة ارتقاء بعيد المدى، لكنه من أكذب الكذب أن يجيء بعض الكتاب المصريين ليزعموا أن سبب ارتقائها هو انسلاخها عن مناهج الفطرة ومقتضيات الأدب.
إن أسباب النهوض شيء ومظاهر الانحلال شيء آخر، ولكي نعرف تفاهة كتابنا وانحدارهم الذهني والنفسي ننقل إليك ما كتبه المؤرخ الإنجليزي الكبير ” أرنولد توينبى ” لتدرك منه حقيقة ما يتعرض له الكيان الأوربي من أخطار .
إن الأمراض التي يتعرض لها هذا الكيان المهتز هي هي ” الخصائص البراقة ” التي يريد نقلها إلى بلادنا كتاب تائهون مثل توفيق الحكيم وغيره من ذوى الأسماء والمناصب !
قال توينبى [ نشر المقال بالإنجليزية مجلة الإسلام الباكستانية، وترجمته إلى العربية مجلة رسالة الإسلام العراقية التي تصدر عن كلية أصول الدين ببغداد، والمقال طويل نقلنا منه نبذا ] تحت عنوان درس من التاريخ للإنسان المعاصر :
“لقد فشلت جميع جهودنا لحل مشكلاتنا بوسائل مادية بحتة، وأصبحت مشروعاتنا الجريئة موضع سخرية ! إننا ندعى أننا خطونا خطوات كبيرة في استخدام الآلات، وتوفير الأيدي العاملة، ولكن إحدى النتائج الغريبة لهذا التقدم تحميل المرأة فوق طاقتها من العمل، وهذا ما لم نشهده من قبل، فالزوجات في أمريكا لا يستطعن أن ينصرفن إلى أعمال البيت كما يجب ..
“إن امرأة اليوم لها عملان : العمل الأول من حيث هي أم وزوجة، والثاني من حيث هي عاملة في الإدارات والمصانع، وقد كانت المرأة الإنجليزية تقوم بهذا العمل الثنائي فلم نؤمل الخير من وراء عملها المرهق، إذ أثبت التاريخ أن عصور الانحطاط هي تلك العصور التي تركت فيها المرأة بيتها ..
“في القرن الخامس قبل الميلاد حين وصلت اليونان إلى أوج حضارتها كانت المرأة منصرفة إلى عملها في البيت، وبعد مجيء الإسكندر الكبير وسقوط دولة اليونان كانت هناك حركة تسوية شبيهة بالحركة التي نشهدها اليوم !..
“لقد نسوا الله ( والكلام لتوينبى ) حين وضعوا حلولا لمعالجة الأمراض الاجتماعية انتهت بالأمم إلى علل مستعصية ومآس كبيرة ..
“إن عصر الآلة أوجد لنا نقصا لم يسبق له مثيل، نقصا في المساكن مثلا، وخلق لنا فترات متناوبة من البطالة، ونقصا في الأيدى العاملة”.
ويقول توينبى: “لقد مشى الإنسان قديما في الطريق الذي مشى فيه اليوم، ووضع القواعد نفسها لتنظيم السير والمرور، والفرق الوحيد أن الأوائل استخدموا عربات الخيل بدل السيارات، وأن مخالفة تعليمات المرور لم تكن مروعة ومميتة كما هى اليوم ..
“إن التقدم الفني والصناعي ليس بحد ذاته دليل الحكمة أو ضمان البقاء، وإن الحضارات التي انبهرت وقنعت بمهارتها الآلية إنما كانت تخطو خطوة نحو الانتحار ! ..
 “إن أحد مصادر الخطر على عصرنا الحاضر هو أننا تربينا على عبادة الوطن وعبادة الراية وعبادة التاريخ الماضي ـ العنصري ـ ويجب على الإنسان أن يعبد الله وحده وأن يتمسك بالقانون الإلهي في تكامل الفرد والمجتمع، وإن فشلنا لمحتم عندما نحيد عنه ” هكذا يقول توينبى .
ومن عباراته في هذا المقال : ” لقد أقنعتنى دراستى لإحدى وعشرين حضارة أن الثقافة الخلاقة هى فقط الثقافة الصحيحة، تلك التي تتمكن من حل المشكلات المستجدة في الظروف المختلفة ..
“إن التقدم العلمى الحديث قد حل مشكلاتنا الصناعية بجدارة ..
“ولكن مشكلات العصر ليست من ذلك النوع الذي يحل في المختبرات، إنها مشكلات معنوية، ولا علاقة للعلم بالقضايا المعنوية ”.
يعنى: أن الأمر في هذه الأحوال لمنطق الإيمان، ولذلك يقول:
“قد يبدو هذا غريبا ولكن المدنيات الكبيرة بلغت نضجها وضمنت تكاملها بالتغيير الروحي”!
نقول: إن المؤرخ الأوربي الغيور على حضارته يلمح أسباب اعتلالها ويصف الدواء بحذق، أما الصحافي المصري فهو يذهب إلى مسرح عابث فيصفه بإعجاب، ويتذكر أن مصر والهند كانتا قديما تقيم التماثيل لأعضاء التناسل !!
أي فكر هذا ؟ وكيف تتداعى المعاني المثيرة على هذا النحو في ذهن أديب لتنشرها صحيفة كبرى ؟
ومتى ؟ في أيام استعداد العرب لجولة أخرى مع بني إسرائيل يحررون بها أرضهم ويدركون ثأرهم!
ما ننتظر غير هذا من أقلام شبت على العبث وشاخت فيه .. بيد أننا نلفت الشباب المسلم إلى حقائق قد تغيب عن ذهنه في غمرة الأحداث.
إن أعيننا ترمق قوما يكرهون الإسلام من أعماق قلوبهم ويتحينون الفرص للتنفيس عن ضغنهم بوسيلة أو أخرى.
وهؤلاء يغضبون عندما ننتسب ـ مجرد انتساب ـ إلى الإسلام ولا يتحركون أية حركة إذا تعصب المتعصبون لأية نحلة أخرى على ظهر الأرض.
على الشباب المسلم أن يرمق هؤلاء بحذر وأن يدرك ما في خباياهم من سواد ..
في يوم ما جاء إلى صحن الأزهر وفد يجمع بين جان بول سارتر وسيمون دى بوفوار ولويس عوض وتوفيق الحكيم وآخرين لا أذكرهم ..
كان فيلسوف الوجودية وعشيقته مدعوين لزيارة القاهرة وإلقاء محاضرات بها ..
من الذي استقدم إلى عاصمة العروبة والإسلام هذا الفرنسي الكفور ليلقي فيها بذور انحلاله ؟!
لا يهم أن نعرف الأشخاص، وإنما المهم أن نحذر النيات المبيتة وأن نتقي التوجيهات المسمومة وأن نتبين الدائرة الواسعة التي يعمل فيها عدونا، لهدم عقائدنا ودك حصوننا فإن هؤلاء الأعداء كثيرون ” ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ”.
الشيخ محمد الغزالي
أحدث أقدم

نموذج الاتصال