تطور التعليم التجاري ودور الانترنيت في الرفع من مردوديته وتحرير السوق العالمية لخدمات التعليم

مهما اعتقد البعض، لا تكمن الفائدة الحقيقية للإنترنت، على صعيد تطور التعليم التجاري، في خصائصها متعددة الوسائط بقدر ما تكمن  في قدرتها على البث  السريع على نطاق عالمي، و بكلفة حدية تكاد ملامسة للصفر.

ما من شيء يثبت أن الكتاب والفيديو أقل فعالية بكثير من إنترنت على صعيد البيداغوجيا، ما خلا  ما يميز إنترنت من بعد  متعلق بالنشاط الحواري interactivité لا جدال فيه.

لكن بوجه خاص يمثل كل كتاب وكل شريط فيديو منتج كلفة من حيث المادة الأولية والتصنيع والتوضيب والتلفيف والشحن والتوزيع، كلفة تنضاف إلى أكلاف صنع المنتوج البيداغوجي نفسه والتي تفاقم المخاطرة المالية في حالة كساد البضاعة.

لا شيء من هذا القبيل في الإنترنت.
فبمجرد ما يجري خلق «الموقع»، يمكن بيع محتواه على المستوى العالمي وإعادة بيعه دون تكاليف إضافية (سوى تكاليف الاتصالات الإلكترونية، و هي على نفقة المشتري مباشرة).

وهكذا تتيح إنترنت مردودية استثمارات كبيرة بتحقيق أرباح في تصور المنتجات التعليمية، العلمي منه والبيداغوجي ومتعددة الوسائط.

لكن ذلك يستلزم أيضا أن تكون السوق عالمية لتحقق مردودا كاملا. و تعمل هيئتان دوليتان (وعدة مجموعات ضغط خاصة) بنشاط من أجل «تحرير السوق العالمية لخدمات التعليم » وهما المنظمة العالمية للتجارة والبنك العالمي.

كانت سكرتارية المنظمة العالمية للتجارة، سنة 1998، قد قامت، توقعا لقمة سياتل، بتشكيل فريق عمل مكلف بدراسة آفاق تحرير متزايد للتعليم.

وأشار في تقريره إلى التطور السريع للتعليم عن بعد وأشاد بتكاثر عدد حالات الشراكة  بين مؤسسات تعليم ومقاولات قطاع تقنيات الإعلام والاتصال.

كما ابتهج التقرير لتنامي  نزع تقنين التعليم العالي بأوربا ونوه بالحكومات التي قامت بــ «مغادرة دائرة التمويل العمومي حصرا لتتقرب من السوق، بالانفتاح على آليات تمويل بديلة».

وأخيرا قامت المنظمة العالمية للتجارة  بسرد العديد من «الحواجز» التي ينبغي رفعها لتحرير تجارة الخدمات التعليمية، وذكرت على سبيل المثال «التدابير التي تحد من الاستثمارات المباشرة من طرف مموني تعليم أجانب» أو كذلك «وجود احتكارات حكومية واحتكارات مؤسسات تحظى بإعانات مالية من الدولة بشكل واسع».

يبدو منذ إخفاق قمة سياتل Seattle، أن المفاوضات حول إنفتاح التعليم على المنافسة الدولية تتواصل بجنيف، في إطار الإتفاق العامة حول تجارة الخدمات AGCS.

ومن جهته، يسعى البنك العالمي، إلى فتح التعليم العالي والسلك الثاني للتعليم الثانوي بالعالم الثالث لأطماع القطاع الخاص.

إن استدلال البنك العالمي بسيط: يجب ايلاء الأسبقية بالبلدان النامية لمحو الأمية. لكن مادام البنك العالمي يرفض كل شكل من أشكال إلغاء ديون بلدان العالم الثالث، ولا يرغب علاوة على ذلك في العمل لاجل تجارة أكثر عدلا، فليس ثمة من حل آخر برأيه، سوى إعادة توجيه النفقات العمومية نحو التعليم الأساسي.

أما في مستويات التعليم الأخرى، فيتعين إذا «تشجيع اللجوء إلى القطاع الخاص، إما لتمويل مؤسسات خاصة، أو لخلق موارد تكميلية لمؤسسات الدولة».

هل سترفع هذه الخوصصة كلفة الدراسة بالنسبة للطلبة وآبائهم؟
هل ستؤدي إلى تفاوت تطور مؤسسات التعليم؟

يزيح البنك العالمي هذه الاعتراضات قائلا: «لا تتمثل المسألة الحيوية في معرفة  ما إن كان فاعلون غير حكوميين سيقومون بدور متنام في التعليم -فهذا الأمر بات أكيدا- بل في النظر في كيفية إمكان دمج تلك التطورات في الإستراتيجيات الشاملة للأمم».

نظم  البنك العالمي، عبر فرعهSFI (شركة التمويل الدولية)، في يونيو 1999، بواشطن مؤتمرا بعنوان صريح: «فرص الاستثمار في التعليم الخاص بالبلدان النامية».

كما أنشأت  الشركة التمويل الدولية مؤخرا مصلحة  Edinvest وهي «منتدى  خاص بالأشخاص والشركات والمؤسسات المهتمين بالتعليم بالبلدان النامية» والتي «تقدم معلومات لإتاحة الاستثمارات الخاصة على نطاق واسع».

وتقوم Edinvest بإرشاد المستثمرين بشأن الإمكانيات التي تتيحها سوق التعليم بالبلدان النامية.
أما موقعها على إنترنت فهو تحت الرعاية المالية لشركات خاصة مثل Eduveres.com et Caliber.

كما كان البنك العالمي و SFI شركة التمويل الدولية حاضرين بقوة في المؤتمر الأول  لسوق التعليم العالمية World Education Market في فانكوفر Vancouver في ماي 2000.

وفي ندوة واشنطن، عبر جاك ماس المتخصص في تقديم المقترحات التعليمية Lead Education Specialist بشركة التمويل الدولية SFI، عن إعجابه بتلك المدرسة الثانوية في غامبيا التي تقدم «تعليما من الطراز الأول» بمبلغ 300 دولار أمريكي في السنة.

«إنها في الحقيقة نعمة غير متوقعة.
قد نصرف 300 دولار  باستخفاف في ليلة واحدة بفندق غربي، وهكذا هي في الحقيقة هبة غير منتظرة ».
لكن هل لا بد من  التذكير بأن متوسط الدخل السنوي في غامبيا لا يتجاوز 950 دولار أمريكي...؟
أحدث أقدم

نموذج الاتصال