تذكرت أن فضائية 'روسيا اليوم'، لم يعد لها وجود على جهاز تلفزيوني، ربما من أيام الثورة، عندما بدأ النظام البائد العبث بإشارة 'النايل سات' من اجل التصدي لإرسال قناة 'الجزيرة'، فإذا بأكثر من عشر فضائيات تنقلها للعالمين. سقط النظام ولم تعد 'الجزيرة'، التي أشاهدها عبر'العرب سات'!.
القيادة الليبية الحكيمة قامت بالتشويش أيضاً على الفضائية القطرية، كما قامت بالتشويش على 'العربية' فطارت هي الاخري ولم يعد لها وجود، واستعنت بصديق لضبطها على التردد الجديد لكن لا حياة لمن تنادي.. لا بأس فلن يموت المرء لأنه لم يعد يشاهد ريما صالحة.
وقد كان آخر عهد لي بالعربية في الحوار الذي أجرته راندا أبو العزم مع أحمد عز رجل الحديد والصلب، وبعدها شرف سيادته في السجن، أما بيان الرئيس المخلوع حسني مبارك فقد شاهدته خارج المنزل.
تكاثرت القنوات الإخبارية، حتى لم يعد المرء ينتبه إلي أن قناة منها سقطت، وربما السب في عدم إحساسي بالغياب راجع إلى أن 'روسيا اليوم' لم تترك بصمة على النحو الذي يجعلنا نشد إليها الرحال، فاكتشفت عدم وجودها في لحظة الغياب!.
لكن فيديو يتم الترويج له عبر مواقع 'اليوتيوب' و'الفيس بوك'، ويحوي لقطات من برنامج بالقناة الروسية الرصينة، كان سبباً في تذكري لهذه المحطة، التي تم اطلاقها ليقول الإخوة الروس انهم هنا.
البرنامج يستضيف شخصية أمريكية، تبدو مرموقة من حيث الشكل، وهو يتحدث بثقة العالم ببواطن الأمور، وهو يعلن في ثقة غريبة ان الثورة المصرية أمريكية الصنع، فقد غضبت الولايات المتحدة الأمريكية على حسني مبارك لأنه توجه نحو إيران.
ويأتي هذا البرنامج في لحظة تم الإعلان فيها عن أن الولايات المتحدة الأمريكية قامت، ومنذ ثلاث سنوات، بتقديم عشرات الملايين في إطار خطتها لنشر الديمقراطية في مصر، وان السفارة الأمريكية بالقاهرة ساعدت سريا عدداً من القادة لتغيير نظام الحكم، وأن شاباً بعينه تم التقاطه لحضور اجتماعات في نيويورك لهذا الهدف، مع إخفاء هويته.
هذا الشخص نظرت إلى ظهوره المفاجئ على مسرح الأحداث بريبة منذ البداية، وبدا واضحاً ان هناك محاولات للنفخ فيه، منذ ظهوره في برنامج 'العاشرة مساء' عندما تذكر شهداء الثورة، حيث بكي وترك الأستوديو، وبكت مقدمة البرنامج منى الشاذلي وهرولت خلفه، وفي اليوم التالي شاهدت في 'ميدان التحرير' من ترفع لافتة مكتوب عليها ان منى الشاذلي انضمت إلي الثوار.
في البداية قيل ان الفتى هو من دعا لأن يكون يوم الثلاثاء 25 يناير هو يوم الغضب، وذلك عبر صفحة 'كلنا خالد سعيد' على 'الفيس بوك'، وأثير جدل واسع حول صاحب هذه الصفحة، فقد جرى التسليم في البداية انه من يملكها، ثم تبين ان صاحبها شاب من الإسكندرية، وقد اخفى اسمه، لأنه يقضي فترة التجنيد في القوات المسلحة. وكان لافتاً عندما تم تغيب الفتى سالف الذكر بالاعتقال ليلة 'جمعة الغضب'، أن تعليقات كانت تنشر على الصفحة، حتى في أوقات انقطاع الانترنت عن مصر، وقد قيل بعد ذلك أن صفحة 'كلنا خالد سعيد' كانت ببيانات فتاة مصرية تعيش في الولايات المتحدة الأمريكية.
المؤتمرات المريبة
اللافت هنا، ان الفتى المذكور، لم يشارك في 'يوم الغضب' لأنه كان خارج مصر، ولم تكن الصفحة هي التي دعت لجمعة الغضب بعد ذلك، لأن هذه الدعوة أطلقها الذين شاركوا في الوقفات الاحتجاجية في يوم الأربعاء 26 يناير، بعد أن تمكنت قوات الأمن من إخلاء ميدان التحرير بالقوة، بعد رسالة وزيرة الخارجية الأمريكية الواضحة، التي أعلنت فيها انحيازها للنظام المصري، وتم التعامل معها على أنها تعني ان جميع الخيارات مفتوحة في التعامل مع المتظاهرين، ولهذا كان الاستخدام المفرط للقوة يوم 'جمعة الغضب'، لدرجة انه تم استخدام الرصاص الحي في التعامل مع المواطنين العزل!.
وقد تلقف الجميع الدعوة لجمعة الغضب وتم الترويج لها، وأذكر أنني كتبت على صفحتي 'لتكن الجمعة يوما لمواجهة فرعون وهامان'، ووضحت بأني أعني بالأخير حبيب العادلي وزير الداخلية، وكذلك فعل الآلاف، ومعظمهم من الخصوم التقليديين للولايات المتحدة الأمريكية، فلم يتسولوا على أبواب سفارتها، ولم يشاركوا في مؤتمراتها المريبة!
في 'العاشرة مساء' كان الفتى قد ذكر أنه لم يتعرض للتعذيب، وفي برنامج آخر قال انه قام بتقبيل الضباط الذين قاموا بتعذيبه عندما صدر قرار الإفراج عنه، وكأنه المسيح عليه السلام. وفي البداية قال انه بنجاح الثورة سيتوقف عن ممارسة العمل السياسي، لكنه لم يف بما وعد.
لا أعرف 'الصفة التشريحية' لخبير فضائية 'روسيا اليوم'، لكن من الواضح ان 'عقدة الخواجة' هي التي دفعت إلى استضافته، وإذا كنت لا اعرف جنسية المذيعة التي استضافته، فمهما يكن الأمر، فان القناة الروسية موجهة لنا ونحن ننظر إلى كلام 'الخواجات' على انه لا يأتيه الباطل من أي اتجاه!.
الخبير الجبار قال ان الولايات المتحدة الأمريكية تستخدم القاعدة في ليبيا وفي كل المناطق التي لا تستطيع ان ترسل لها قوات برية.
وقال ان ما حدث في مصر هو انقلاب قصر مع بعض الممثلين في الشوارع كانوا يؤدون بعض الأدوار. وهنا قاطعته المذيعة: لقد رأينا الملايين خرجوا للشوارع في مصر يطالبون بالحرية.
وسخر سيادته، فيمكنها ان تعتبرهم ملايين إذا صدقت كاميرا قناة 'الجزيرة' لكنهم لم يكونوا كذلك في الواقع.. فهم لم يتجاوزوا المئة ألف متظاهر، على حد قوله.
عندها قلت آن لابن عزوز ان يمد قدميه، وفي الواقع أنني قلت هذا بمجرد ان قال إن أمريكا انقلبت على مبارك وقررت التخلص لأنه سار في اتجاه إيران، وعندها اختمرت في ذهني فكرة توقيع الكشف الطبي على ضيوف الفضائيات، للتأكد من سلامة قواهم العقلية.
فقد تقربت إيران بالنوافل إلى نظام مبارك، من اجل فتح صفحة جديدة فلم يفعل، وعندما تم التعلل بذريعة شارع خالد الاسلامبولي قاتل السادات في طهران تم تغيير اسمه، لكن قد أسمعت لو ناديت حياً، وعادى مبارك كل ما له صلة بإيران من قريب أو بعيد، ومارس القمع ضد الشيعة المصريين، وهم لا يمثلون خطراً من أي نوع لأنهم قلة يخافون ان يتخطفهم الناس. حتى ليظن الجاهل ان هذا يأتي لأنه إمام أهل السنة والجماعة، مع ان مثل هذه الأمور ليست مطروحة على جدول أعماله!.
كاميرا الجزيرة
لقد كنت شاهد عيان على جانب في الثورة المصرية، هو الخاص بميدان التحرير، وهناك أكثر من عشر محافظات شاركت في الثورة منذ اليوم الأول، ويتجاوز عدد الذين شاركوا أكثر من عشرة ملايين مصري، وعندما كانت الدعوة لأول مليونية بالتحرير، تجاوز الحضور ثلاثة ملايين، حولوا منطقة وسط القاهرة كلها إلى 'ميدان للتحرير'، ولم أكن بحاجة لان أشاهد كاميرا 'الجزيرة' حتى أستطيع الحكم.
ان هناك محطات رئيسية في الثورة المصرية، تتمثل في يوم جمعة الغضب عندما التقي الجمعان، وفي يوم موقعة الجمل عندما دفع أهل الحكم بالخيل، والبغال والبلطجية لاقتحام الميدان وقتل المتظاهرين، وكانت المحطة الثالثة في حصار القصر الجمهوري في اليوم الأخير، ولم يكن هناك وجود لرجال أمريكا في أي موقعة، وبينما كان الآلاف من الثوار أمام القصر لحظة تنحي مبارك، ومثلهم أمام مبنى اتحاد الإذاعة والتلفزيون، وأضعافهم في 'ميدان التحرير' تبين ان رجل أمريكا القوي في شقته، وتم بث فيديو على 'الفيس بوك' باحتفائه ونفر من أصدقائه عندما أذاع عمر سليمان خبر التنحي.
ان هناك أكثر من ألف شهيد للثورة المصرية، وآلاف الجرحى، وهناك ألف مواطن فقدوا أبصارهم برصاص القناصة، ولم يكن من بين هؤلاء واحد من الذين استفادوا من التمويل الأمريكي، أو سافر لحضور المؤتمرات الأمريكية المريبة، أو كان من ضيوف السفارة الأمريكية بالقاهرة.
ان واشنطن تريد ان تسطو على الثورة المصرية، مع أنها كانت ومنذ البداية منحازة لحسني مبارك، وفقدت بسقوطه عميلاً معتبراً لن تعوضه أبدا.
أرض جو
قال رئيس قطاع الأخبار في التلفزيون المصري، ورئيس قناة مصر الإخبارية: سأجعل 'الجزيرة' هي التي تجري وراءنا.. وقد سبق لعبد اللطيف المناوي رئيس القطاع السابق ان قال نفس الكلام تقريبا في بداية توليه مهام منصبه.
مكتب 'بي بي سي' بالقاهرة، كان يصلح بالكاد غرفة لتربية الكتاكيت، ولم يكن به كرسي يصلح للاستخدام الآدمي سوى كرسي المدير، وقد كنت هناك قبل أسابيع، وخشيت ان أمد قدمي فيصطدم بها المارة بالشارع، فالمكتب ضيق للغاية، وجلست على الكرسي فترنح فظننت انه الزلزال.. الآن أصبح للقوم مكتب معتبر في القاهرة، بعد الثورة، وكنت أظن ان الوضع القديم مرتبط ببخل المالك، لكن من الواضح أن الاختيار الأول هو ليكونوا في حماية وكالة مملوكة لرجل أعمال كويتي. وبعد الثورة قرروا الاستقلال فليسوا بحاجة للحماية، فقد تم حل جهاز مباحث امن الدولة، وإلغاء وزارة الإعلام، ودخل الوزير السابق والأسبق السجن.
'بين السطور' هو جديد قناة 'المحور' ويقدمه الزميل سيد علي بعد منتصف الليل، وهو يقوم على قراءة الصحف عقب طباعتها مباشرة، ولا شك ان عشرات البرامج في القنوات المختلفة من هذه الفصيلة دليل على ان الصحافة المكتوبة لم تغادر عرشها إلى سجن مزرعة طرة، حيث كل أركان النظام المصري السابق، أو إلى مستشفى شرم الشيخ حيث يقيم الرئيس المخلوع شفاه الله وعافاه، فقد محا المرض أسباب العداوة بيننا.
'الجزيرة مباشر'، انتقلت من مرحلة 'سد الخانة'، إلى قناة حقيقية، وصارت صوت الشارع العربي، لا ينقصها سوى انتقال جميل عازر، وخديجة بن قنة، وفيصل القاسم، إليها، لنغادر 'الجزيرة' الأم إليها.
سليم عزوز
التسميات
ثورة مصر