المناقشة في إطار مجموعات صغيرة العدد للتربية على حقوق الإنسان والمواطنة والديمقراطية

تعتبر المناقشات واحدة من الوسائل الجد مهمة للتربية على حقوق الإنسان والمواطنة والديمقراطية وإحدى أدوات إعمال وتفعيل الحياة المدرسية.
فإذا كانت، من جهة، تمكن المنشط و المشاركين من تعرف مواقف هؤلاء وأولئك تجاه نفس القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان والمواطنة، وتسعف المشاركين، من جهة ثانية، في تعرف مجريات الأحداث وفي قيامهم هم أنفسهم باستكشاف المشاكل وتحليلها، فإنها تعتبر، أيضا، أنسب الفرص لتدرب الأفراد على الإنصات النشيط وعلى التكلم بالتناوب.
ولمساعدة المشاركين أو مجموعة القسم على التأمل في مبدإ غامض  من زاوية التجربة الشخصية، وعلى المساهمة الدينامكية واستدماج قيمة التعاون وباقي المبادئ والقيم التي تعتمد كقواعد للمناقشة ضمن تقنية العمل داخل المجموعة باعتبارها قواعد ضرورية من أجل التربية على احترام حقوق الآخرين.
ولتيسير المناقشات المفتوحة وضمانا لسيادة جو الثقة والاحترام المتبادل، أثناءها داخل المجموعة، ينصح المربون المنشط (المدرس / المكون / المسهل) بالشروع في خلق القواعد الأساسية للمناقشة مع بداية الموسم الدراسي أو بداية تنفيذ برامج الحياة المدرسية، والعمل من أجل تنميتها واحترامها في كل لحظة، وذلك بتخصيص بعض الوقت لعصف ذهني يقترح فيه المشاركون خلاله بعض المبادئ التي يرون وجوب إتباعها من قبل الجميع ليصبح القسم أو النادي أو الجماعة فضاء يحققون ضمنه فهما مشتركا للإصغاء وللكلام ويشعرون فيه بحرية التعبير وبالتعلم حين يناقش بعضهم البعض.
و بعد تصنيف الاقتراحات المدونة و تركيب بعضها والتعليق عليها أو مناقشتها والتأكد من قبول المشاركين للتوافق حول طاعة القواعد التي حددوا لائحتها، تحرر اللائحة بدقة وبخط واضح على ورقة كبيرة تلصق في مكان مناسب للرؤية و القراءة لتكون مرجعا وقابلة للإتمام أو التعديل بحسب اللزوم، بحيث في حالة مخالفة كبيرة، مثلا، لهذه القواعد يعمد المنشط إلى التفاوض مع المشاركين من أجل تقرير ما يجب إتباعه تجاه هذا السلوك ليضاف القرار النهائي بدوره إلى اللائحة.
و يتم تنظيم المناقشة، غالبا، إما في إطار يسع كل المجموعة (كل الأفراد المشاركين / المجموعة الكبرى) أو في إطار مجموعات صغرى.
غير أنه بالنظر إلى المشكلات التي تطرحها بنية الفصل (القسم / الصف) في مؤسساتنا التعليمية من حيث عدم مرونة أثاثه المكاني وقوة عبئه الديمغرافي، إذ يصل المتوسط الوطني لأعداد التلامذة في كل قسم من أقسام التعليم الثانوي الإعدادي والتعليم الثانوي التأهيلي إلى 38 تلميذ (ة)، وقد يفوق ذلك بكثير في أقسام التعليم الابتدائي وخاصة في المدن، فإنه يصعب تسيير مناقشة مفتوحة في إطار الشكل الأول لأنه يفترض ألا يتعدى عدد المشاركين 20 إلى 25 فردا، وأن يجلسوا في شكل دائرة أو نصف دائرة أو في ما يشبه حرف U بما يسمح لجميع الأفراد بأن يروا بعضهم البعض بطريقة مباشرة.
إلا أن الشكل الثاني، أي المناقشة في إطار مجموعات صغيرة العدد تبقى مع ذلك ممكنة، إذ لا تتطلب سوى مراعاة الإجراءات التالية:
- أن يحرص المنشط على تذكر أن الأمر يتعلق بمجموعات تتكون كل واحدة منها من اثنين أو من عدة أفراد لا يتجاوز عددهم 05 إلى 06 أشخاص، وذلك ضمانا لبلوغ الهدف المرجو ولفرصة كل واحد من المشاركين في المساهمة.
- أن يتم تكوين المجموعات بناء على معيار محدد، قد يكون هو قدرات كل فرد، أو هو الجمع بين الجنسين، أو بين الأصدقاء للعمل سويا.
وقد يكون هو العشوائية كبناء المجموعات، مثلا، انطلاقا من تاريخ ازدياد الأفراد، أو من الحرف الأول من أسمائهم، أو قد يتم اختيار أعضاء المجموعات بناء على أرقام تعطى للمشاركين قياسا إلى عدد المجموعات.
- أن يجلس أعضاء كل مجموعة حيث يمكنهم تبادل الرؤية بينهم.
وهو الوضع الذي يمكن تذليله في الحالة الشائع عندنا، والتي تكون فيها الطاولات (الموائد) ملتصقة بالمقاعد، عن طريق التفات الأفراد الأماميين في مواضعهم دورة كاملة بما يجعلهم يصبحون في مواجهة زملائهم الموجودين خلفهم .
أما طريقة اشتغال هذه المجموعات المتكونة من 02 إلى عدة أشخاص، فلا تتطلب، بدورها، سوى بعض الخطوات والعمليات والمبادئ من أهمها ما يلي:
- كلما قرر المنشط (المدرس / المكون / المسهل) الحاجة إلى توظيف هذه التقنية يكون عليه، أيضا و بحسب الهدف واللحظة من سياق الدرس (أو برنامج التنشيط)، تقرير ما إذا سيكون موضوع المناقشة موحدا بين المجموعات أم مختلفا.
وعلى كل حال، فإذا كانت اللحظة من الدرس أو من أي برنامج تنشيطي آخر تهم، مثلا، موضوعة الحق في الحياة، يدعو المنشط المتدربين أو التلامذة إلى الائتلاف ضمن مجموعاتهم وفق المعيار الذي اختار أن يعتمده في تقسيم المجموعات، ويطلب منهم أن يتناقشوا ويقرروا خلال خمسة دقائق: "هل من العدل قتل شخص؟".
وبعد انتهاء المدة يعود الأفراد إلى أماكنهم ضمن المجموعة الكبرى من أجل تحقيق مناقشات أكثر عمقا حول الموضوع .
- إذا كان الأمر يتطلب من إحدى المجموعات أو من كل المجموعات الاجتماع أكثر من بضع دقائق يصبح من الضروري أن تعين (أو تنتخب، أو تقترح...) كل مجموعة من بين أفرادها مسيرا (ة) للجلسة و مقررا (ة) لأشغالها و حريصا (ة) على أهدافها وضابطا (ة) للوقت المخصص لإنجاز تلك الأهداف، وأن تكون على علم مسبق بأن مقررها سيقدم تقريرا حول أجواء و نتائج عملها أمام باقي المجموعات، وأنه من المفروض أن يتسم هذا التقرير بالموضوعية والنزاهة والصدق والأمانة فلا يضمنه المقرر أيا من أفكاره أو مواقفه الشخصية.
وهذا التقرير إذا كان عادة يضم قرارا أو خلاصة نقاش أو استعراضا للطريقة التي اشتغلت بها المجموعة، فإنه يفيد كلا من المنشط وأفراد المجموعة الكبرى في تطوير تقنية عمل المجموعات الصغرى.
- خلال اشتغال المجموعات يكون مطلوبا من المنشط، وباستثناء التنبيه إلى الوقت المرصود  لإنجاز المهمة والتنبيه إلى عدد الدقائق المتبقية، في حالة عدم قيام ضباط الوقت أنفسهم بذلك، أو تصحيح فهم إحدى المجموعات للتعليمات، أو تشجيعها من أجل مساعدتها على الانطلاق... أن يحرص على انسحابه فلا يتدخل في المناقشات ولا يقطعها، وأن يحرص على توزيع انتباهه بشكل عادل بين كل المجموعات.
- وحتى لا يختتم عمل المجموعات دون استنفاذ كل الأهداف المرجوة منه، يعمد المنشط، بعد عرض التقارير ومناقشتها واستخلاص نتائجها، إلى تخصيص لحظة قصيرة للتقييم يسأل، خلالها، أفراد المجموعة الكبرى حول ما إذا كان النشاط مفيدا وحول ما تعلموه منه وحول ما يتوقعونه لتطوير النشاط في حالة ما إذا كان الجواب سلبيا، وذلك على أساس أن تؤخذ الأفكار المصرح بها بعين الاعتبار في الأشغال اللاحقة من عمل المجموعات.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال