خروج عشرات الآلاف من المتظاهرين في مختلف المدن والبلدات السورية بعد صلاة الجمعة بات أمراً مألوفاً، وكذلك اقدام قوات الامن على اطلاق النار على المتظاهرين المطالبين بالتغيير الديمقراطي واطلاق الحريات، لكن الجديد هذه المرة يتمثل في اتساع دائرة الاحتجاجات، مما يدحض اعتقاداً بدأ يتبلور بان حدتها، اي الاحتجاجات بدأت تتراجع بسبب نجاح الحلول الامنية التي تستخدمها السلطة وأجهزتها.
صحيح ان منظمات حقوق الانسان تحدثت عن استشهاد 27 شخصاً في مظاهرات يوم الجمعة الاحتجاجية وهذا رقم كبير بكل المقاييس، ولكن ما هو اخطر من ذلك يتجسد في نقطتين اساسيتين لابد من التوقف عندهما:
' الاولى: امتداد الاحتجاجات الى المناطق الشمالية الشرقية، وبالتحديد تلك ذات الكثافة الكردية العالية، في دير الزور والقامشلي.
' الثانية: استقالة الشيخ العلامة كريم راجح شيخ قراء بلاد الشام، على الهواء مباشرة، احتجاجاً على التعامل الامني الخشن مع المصلين رواد المساجد، بسبب منعهم من اداء فريضتهم تحت ذريعة الخوف من مشاركة هؤلاء في مظاهرات تنطلق بعد صلاة الجمعة.
نزول الاكراد وبمثل هذه الكثافة الى ساحة الاحتجاجات يوم امس يعكس تغييرا في موقف هؤلاء ربما تترتب عليه مشاكل خطيرة بالنسبة الى السلطات السورية. فقد اتسمت المناطق الكردية في الشمال السوري بالهدوء التام طوال الاسابيع الخمسة الماضية، مع بعض الاستثناءات المحدودة هنا وهناك.
الرئيس السوري بشار الاسد ادرك خطورة مشاركة الاكراد لاشقائهم العرب في الاحتجاجات، فاقدم على خطوة استباقية ذكية للغاية عندما اصدر مرسوما بمنح 200 الف كردي الجنسية السورية، ولكن هذه الخطوة، على اهميتها، جاءت بهدنة مؤقتة بدأت تتساقط احجارها بشكل متسارع اعتبارا من يوم امس.
الحكومة السورية في وضع صعب، فاستمرار عمليات القتل للمتظاهرين يؤدي الى تصاعد حالة الغضب في اوساط المواطنين، لان تزايد عمليات القتل يعني تزايد اعداد الجنازات، وفي الجنازات تتأجج مشاعر الغضب، الامر الذي قد يؤدي الى تدخل القوات الامنية واطلاق النار مجددا، وسقوط ضحايا جدد، وجنازات اخرى.
انها دائرة مرعبة دون مخارج حقيقية تصب في مصلحة تصاعد التوتر، وتأزيم الاوضاع اكثر فاكثر في ظل غياب اي حلول سياسية، او حوارات جادة مع جماعات المعارضة الوطنية وقياداتها.
لافتة رفعها احد المتظاهرين تلخص هذه المسألة تقول بانه 'لا حوار مع الدبابات' في اشارة الى انزال السلطات السورية دبابات الجيش الى شوارع المدن الثائرة، مثل حمص ودرعا وبانياس، وبعض بلدات ريف دمشق.
الرئيس السوري اصدر اوامره الى قيادة الاجهزة الامنية بالكف عن عمليات القتل، وتزايد اعداد الضحايا يوم امس يؤكد ان هؤلاء القادة يصرون على المضي قدما بنهجهم الدموي اعتقادا منهم انه السبيل الانجع للسيطرة على الوضع وانهاء الانتفاضة الشعبية، وهو نهج اثبتت الايام ليس عدم جدواه فقط، وانما اعطاءه نتائج عكسية تماما.
نعرف الآن ما حدث في جمعة يوم امس، ولكن لا نعرف، ولا نستطيع ان نتنبأ بما يمكن ان يحدث يوم الجمعة المقبل غير المزيد من الشهداء والجرحى والجنازات وهو امر لا يبشر الا بالسوء لسورية وسلطاتها وشعبها في الوقت نفسه.
التسميات
ثورة سوريا