ليبيا وإصرار الديكتاتور على قتل المواطنين.. قد يحتاج الأمر إلى حل سياسي

بعد اربعة اشهر من المواجهات العسكرية، كانت قوات حلف الناتو وطائراته طرفا فيها على الاقل طوال الشهرين الماضيين، بدأت الاوضاع في ليبيا تتجه نحو الجمود العسكري، واصبحت الهجمات التي تشنها طائرات حلف الناتو على اهداف في غرب ليبيا حيث ما زالت سلطة العقيد الليبي معمر القذافي صامدة وقائمة، تعطي نتائج عكسية تماما خاصة بعد سقوط عشرات الضحايا من المدنيين نتيجة لها في طرابلس وضواحيها.

الجمود العسكري على جبهات القتال يفتح الابواب امام الحلول السياسية التي ظلت مغيبة كليا في ليبيا بسبب اصرار كل طرف في الازمة على مطالبه كاملة، فقد طالب المتمردون برحيل الزعيم الليبي وافراد اسرته كشرط لاي مفاوضات او تسوية، بينما اكد الاخير بانه باق في ليبيا حتى اللحظة الاخيرة من حياته ولن يغادرها مطلقا.

هناك مؤشرات عديدة توحي بان المتمردين الليبيين والمجلس الانتقالي المؤقت الذي يمثلهم، بدأوا في 'تليين' مواقفهم، والترحيب بحلول سياسية، وابرز مؤشر في هذا الصدد صدر امس عن السيد محمود شمام المتحدث باسم المجلس الانتقالي، تصريحات تفيد بان المجلس يجري اتصالات غير مباشرة مع مندوبين يمثلون السلطة في طرابلس. واكد السيد شمام في حديث لصحيفة 'الفيغارو' الفرنسية ان الزعيم الليبي يمكن ان يبقى في ليبيا اذا قرر مغادرة السلطة.

هذا التحول في موقف المجلس الوطني الانتقالي يعود الى مجموعة عوامل فرضت نفسها في الفترة الاخيرة يمكن حصرها في النقاط التالية:

أولا: حدوث انقسام كبير داخل الدول المشاركة في عمليات حلف الناتو العسكرية في ليبيا على ارضية الضربات العسكرية التي اوقعت خسائر كبيرة في صفوف المدنيين، فقد طالب فرانكو فرانتيني وزير خارجية ايطاليا بوقف فوري لاطلاق النار لتجنب وقوع كوارث اخرى بعد مقتل 19 مدنيا معظمهم من الاطفال، اثناء قصف الحلف لبيت الخويلدي الحميدي احد مساعدي العقيد القذافي البارزين، ولفتح ممرات آمنة لايصال مساعدات للمدنيين، خاصة في مصراتة والجبل الغربي ومدينة طرابلس نفسها حيث تتصاعد حدة المواجهات العسكرية.

ثانيا: تصاعد الضغوط الشعبية، ومن قبل الكونغرس نفسه على الرئيس الامريكي باراك اوباما بوقف اي دور لامريكا في العمليات العسكرية ضد ليبيا لدرجة تهديد الكونغرس بوقف اي دعم مالي للرئيس ومساءلته اذا خالف هذا الموقف.

ثالثا: تراجع السيد عمرو موسى امين عام الجامعة العربية عن موقفه السابق المؤيد لتدخل حلف الناتو وقواته في ليبيا، وتوجيه انتقادات حادة لقيادته العسكرية بسبب مقتل اطفال ليبيين، وعرضه خطة سلام تنص على بقاء الزعيم الليبي لفترة محدودة في الحكم، تليها فترة انتقالية يتقرر خلالها مستقبل ليبيا بمشاركة اطراف عدة. وهذه هي اول خريطة طريق 'عربية' تصدر لحل الازمة.

رابعا: تصاعد الخلافات في اوساط المتمردين الليبيين، وحدوث انقسام واضح بين الاسلاميين الذين يشكلون القوة الرئيسية والاساسية في القتال في ميادين المعارك، والليبراليين القادمين من الخارج الذين يريدون دستورا علمانيا وقوات غربية على ارض ليبيا لحسم المعارك بسرعة.

خامسا: نقص الاموال اللازمة لتغطية نفقات المجلس الوطني ومقاتليه على الارض، وقد اشتكى اكثر من عضو علانية من هذه المسألة، وانتقد دول حلف الناتو على عدم تقديم مساعدات مالية كافية.

سادسا: وجود شكوك لدى المجلس الانتقالي في النوايا الحقيقية لحلف الناتو وتدخله في ليبيا، فقد ادت اوامر قادة الحلف العسكريين للمتمردين بعدم التقدم باتجاه طرابلس، وكذلك عدم مساعدتهم بالشكل المطلوب لاحكام السيطرة على مصراتة وقطع الطريق البري الى تونس الى تبلور قناعة بان الحلف يريد تقسيم ليبيا، واقامة دولة في الشرق الليبي وعاصمتها بنغازي حيث تتركز الاحتياطات النفطية الاساسية.

الاسابيع المقبلة قد تشهد انتقالا للمفاوضات غير المباشرة بين المتمردين والنظام الليبي الى مرحلة اكثر تقدما، اي المفاوضات المباشرة برعاية افريقية او دولية، خاصة في ظل تصاعد قناعات عديدة في اوساط قوى افريقية واوروبية (وليس عربية للاسف) بان الحل العسكري للازمة الليبية بات غير ممكن، وان الحل السياسي هو الانجع في هذا المضمار.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال