التجديد الشعري.. ليس ثورة على العروض والأوزان والقوافي ويمس القصيدة في شكلها ومضمونها

لقد اتفق رواد الشعر العربي الحر على أن التجديد حاجة ملحة لتطور الإنسان والحياة وليس مجرد هدف في ذاته، لكنهم اختلفوا في مدى ارتباطه بالتراث.

فبعضهم يرى التجديد استمراراً للموروث وتحويراً لـه وإضافة إليه وإعادة تشكيل جديد له، وبعضهم يرى التجديد انسلاخاً عن الموروث ونفياً لـه ورفضاً.

وهناك من لا يحدد مفهوماً للتجديد وإن ميز بينه وبين التقليد ويكتفي بأمثلة من تاريخ الشعر العربي.
فأما تحديد مفهوم التجديد في علاقته بالواقع والموروث فنجده لدى البياتي والحيدري.

والبياتي يربط التجديد أولاً بالجماعة لا بالفرد، ذلك أن التجديد الفردي مرتبط بثقافة مجتمع معين والتجديد الحقيقي حركة شعرية كاملة تقف وراءها ثقافة أمة بأكملها وليس إرادة فردية وإلا كان مصيره الفشل.

فالتجديد لا يكون حقيقياً إلا إذا كان يستند إلى رغبة أمة لأنه ليس تجديداً في مجال دون آخر وإنما هو تجديد عام عند البياتي.

والتجديد الشعري بهذا لا ينفصل عن التجديد في الحياة، فهو ليس هدفاً في ذاته وإنما هو تلبية لحاجة ماسة اقتضتها المرحلة الجديدة.

وهو ليس تقليداً للغرب بل ينبع من التراث، ومن ثم فإن شكل القصيدة الجديدة تطوير طبيعي للقصيدة العربية.
الجديد عند البياتي تطور عن القديم من خلال تطور الحياة في مجتمع معين.

ومادام التجديد مرتبطاً بالمجتمع وحاجة ماسة اقتضاها تطور الحياة فإن التجديد الشعري لدى رواد الشعر العربي الحر ليس مجرد تجديد في الشكل.

إنه ليس ثورة على العروض والأوزان والقوافي كما خيل للبعض  بقدر ما هو ثورة في التعبير.

فالتجديد عند البياتي يمس القصيدة في شكلها ومضمونها ولا يتحقق هذا إلا إذا عززته موهبة حقيقية.

ذلك أن الموهبة الحقيقية هي التي تستطيع القيام بهذا الانقلاب الشعري على مستوى الشكل والمضمون.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال