الراوي عند الهمذاني.. السفر بحثا عن العلم والمعرفة أو لطلب الكسب والرزق. التأثر بشخصية البطل والاحتيال لنفسه

الراوي عند الهمذاني:

يظهر الراوي عند "الهمذاني" في أسفاره باحثًا عن العلم والمعرفة كعادة علماء القرون الأولى الذين جمعوا الأحاديث واللغة، كما يقول على لسان الراوي "عيسى بن هشام": (كُنْتُ أَجْتَازُ فِي بَعْضِ بِلاَدِ الأَهْوَازِ، وَقُصَارَايَ لَفْظَةٌ شَرُودٌ أَصِيدُهَا، وَكَلِمَةٌ بَلِيغَةٌ أَسْتَزِيدُهَا...) أو يقول على لسان "عيسى بن هشام" يصف كيف نال العلم: (فَتَوَسَّلْتُ إِلَيْهِ بِافْتِرَاشِ الْمَدَرِ، وَاسْتِنَادِ الْحَجَرِ، وَرَدِّ الضَّجَرِ، وَرُكُوبِ الْخَطَرِ، وَإِدْمَانِ السَّهَرِ، وَاصْطِحَابِ السَّفَرِ، وَكَثْرَةِ النَّظَرِ، وَإِعْمَالِ الْفِكْرِ...).

السفر لطلب الكسب والرزق:

وقد يكون سفر الراوي لطلب الكسب والرزق، ولكن مع ذلك يظلّ طلب العلم يراوده في تجارته.

وقد يتأثر الراوي بشخصية البطل، ويحتال أيضًا لنفسه، كما في "المقامة البغدادية" حين اشتهى "عيسى بن هشام" بعض المأكولات، فساق رجلاً بدويًّا من سواد "العراق" إلى السوق يشتري لهم شواءً وحلواء، وزبدة، وخرج تاركًا السوادي مع أصحاب المطعم حيث يقول: (...ثُمَّ خَرَجْتُ وَجَلَسْتُ بِحَيْثُ أَرَاهُ وَلاَ يَرَانِي أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُ...).

وقد يكون طرفًا في نجاح حيلة البطل حين ادّعيا أنهما سيوقفان السيل عن أهل بلد ما، فأنالهما السكّان ما أرادا لهذا الغرض، فلم يفلحا، وتسللا لواذًا، كما قال على لسان الراوي "عيسى بن هشام" ذاكرًا ما جرى بينهما وأهل البلد: (... وَاصْبِرُوا عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ فَمَسَافَتُهُمَا طَوِيلَةٌ. وَقَامَ للِرَّكْعَةِ الأُولَى فَانْتَصَبَ انْتِصَابَ الْجِذْعِ، حَتَّى شَكَوْا وَجَعَ الضِّلْعِ، وَسَجَدَ حَتَّى ظَنُّوا أَنَّهُ هَجَدَ، وَلَمْ يَشْجُعُوا لِرَفْعِ الرُّؤُوسِ، حَتَّى كَبَّر لِلْجُلُوسِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ وَأَوْمَأَ إِلَيَّ، فَأَخَذْنَا الْوَادِيَ، وَتَرَكْنَا الْقَوْمَ سَاجِدِينَ لاَ نَعْلَمُ مَا صَنَعَ الدَّهْرُ بِهِمْ...).

حيل البطل:

وقد يقع فريسة في شرك من هو أكبر من البطل حيلة، كما رأيناه في حكايته مع الحمّاميين والحجّامين حيث يدافع عن نفسه حين نازعه الحمامي رأسه وأنه صاحبها، فيقول: (يَا عَافَاكَ اللهُ هَذَا رَأْسِي قَدْ صَحِبَنِي فِي الطَّرِيقِ، وَطَافَ مَعِي بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ، وَمَا شَكَكْتُ أَنَّهُ لِي).

وقد لا يشارك الراوي في أحداث المقامة، بل يكتفي برواية أحداث لم يحضرها، ويسندها إلى أصحابها، كما هو في "المقامة الصيمرية"، و"المقامة الغيلانية"، و"المقامة البشرية".
أحدث أقدم

نموذج الاتصال