المادة والروح .. ليس الإنسان والكون، "مادة" تتطور بنفسها ذاتيا من دون خالق

  درج الكثيرون على تعريف "الإنسان" بأنه: "مادة وروح"، من دون تحديد لمرادهم بكل منهما، حتى شاع هذا التقسيم، وصار متداولا مألوفا، ولقد كنت ممن يذكر ذلك بالتقليد للآخرين، ولكن: عندما فكّرت في " الإنسان"، وما أودعه الله فيه من آيات، أدركت كم نحن بحاجة الى  إعادة نظر، في كثير من المصطلحات والكلمات لتي نستعملها،ومنها كلمتا:"المادة والروح".
  إن لكل من :"المادة" و"الروح"، إستعمالات ومعاني متعددة، فللمادة في المفهوم "الماركسي" الشيوعي مفهوم خاص ملخصه: [ أن الإنسان والكون، "مادة" تتطور بنفسها ذاتيا، من دون خالق، وأنّ تطوّر المادة هذا، هو الذي انبثق عنه وجود الكائنات..].
  فالمادة في المفهوم الماركسي، ليست جانبا من شخصية الإنسان، بل هي أساس وجوده، ولا يخفى: أن "الشيوعية" تنكر وجود الله الخالق عز وجل، لأنها عقيدة إلحاد وكفر.
  وهناك مذهب أو مفهوم آخر للمادة، فحواه: أن "المادة" في الإنسان عبارة عن "الجسد"، يقابله جانب "الروح"، فهؤلاء يرون: أن جسد الإنسان هو "المادة".
  وهناك من يرى "المادة" معبّرة عن الجانب الدنيوي في الإنسان، أي: "الجسد" وشهواته ورغائبه، ويرى بالمقابل: أن "الروح" تعبّر  عن الجانب المعنوي العقليّ فيه، فقسّموا الإنسان على هذا الأساس، فقالوا: " الإنسان مادة وروح".
  وأيضا لا ينبغي أن نغفل التعريف "الكنسي" لللإنسان، فإن له تأثيرا كبيرا على المفاهيم التي أشرنا إليها، فالإنسان في المفهوم "الكنسيّ" يتكوّن من ثلاثة عناصر هي :"الروح والنفس والجسد"، ومستند النصارى في هذا التعريف لللإنسان هو قول "بولس" بهذا المعنى الوارد في رسالته الأولى الى "أهل تسالونيقي"، فـ "الجسد" عنده، هو: الجزء المادي في تكوين الإنسان، و"النفس" هي: عنصر الحياة الحيوانية، وفيها يشترك الإنسان مع الحيوان وعليها يتوقف الفهم والحركة والإحساس، و"الروح" هي: العقل.
  و"النصارى" أيضا يطلقون "الروح" على "الله"، تعالى عن ذلك علوّا كبيرا، فيقولون:" الله روح أبديّ سرمديّ"، ومفهومهم للروح بهذا المعنى، هو الذي ينتسب كهنتهم إليه، فيسمّون أنفسهم:"رؤساء روحيّين"، فالرئيس الروحيّ عندهم هو : كل "كاهن" أعطي صفة كهنوتية، وبالمقابل، فهم يطلقون على غيرهم وصف:"العلمانيين"، أي: غير "الروحيّين اللاهوتيين".
  بعد هذا الإستعراض لمفهوم "المادة والروح"، نرى أن الذين قسّموا شخصية "الإنسان" إلى" "مادة" و"روح" مخطئون، وذلك لأسباب التالية:
  أولا: عدم وضوح المراد حصرا بكل من: "المادة" و"الروح"، ومعلوم أن التسمية بشيء لا تصحّ، إلا إذا كانت وافية بالتعريف، مفيدة للمعنى المقصود، فالذين أطلقوا هذين اللفظين على الإنسان، لم يحدّدوا المراد بكل منهما، فلا يزول الإشكال.
  ثانيا: إن "المادة" في الإنسان لا تنفصل عن "الروح"، لأن الجسد البشريّ من دون روح، هو جماد كالحجر، ومعلوم أن ما يميّز الجسم البشريّ عن سائر الجمادات، إنما هو "الحياة" المستقرّة فيه، أي: "الجانب الحيواني" الذي ذكرناه سابقا.
  ثالثا: إن الذين أطلقوا "الروح" على "العقل" مخطئون، لأن "الروح" غير "العقل"، فهما مخلوقان متغايران، والعقل لا يعمل إلا بالروح، فالروح هي المحرّك لكل من "الجسد والعقل"، فكيف تكون "الروح" في جانب، وما تعمل هي فيه في جانب آخر؟...
  فظهر واضحا: أن تقسيم " الإنسان" الى "مادة وروح"، تقسيم غير صحيح، ولا ينطبق على الواقع، وأن التفصيل الصحيح لشخصية الإنسان هو أنه: "حيوان ناطق"، أي: عاقل، كما بيّناه سابقا، وإذا أردنا أن نجاري ما شاع في تعريف الإنسان فنقول: الإنسان مادة وعقل".
أحدث أقدم

نموذج الاتصال