الغرائز والشهوات عند الإنسان .. ارتباط الشهوة بوجود العقل

  شاع على ألسنة كثير من المتعلمين، وفي كتاباتهم، إطلاق "الغريزة" على "الشهوة" في الإنسان، وهذا خطأ فادح، بل إن من هؤلاء من أطلق على " الفطرة السليمة" المعروفة بـ "التديّن" وصف " الغريزة"، فسمّوها :" غريزة التديّن"، ووجه الخطأ في ذلك، واضح في المعنى اللغوي لكل واحدة من هاتين الكلمتين؛ فمن العودة الى قواميس اللغة العربية يتبيّن ما يلي:
  [" الغريزة": الطبيعة، وجمعها: " غرائز"، و"الشهوة" هي: إشتياق النفس إلى الشيء، وجمعها "الشهوات"، وهي الاسم من فعل:" شهي الشيء، واشتهاه"، إذا أحبّه ورغب فيه].
  فواضح من تعريف "الشهوة" هذا، أنها اشتياق الى الشيء، وحبّ له، ورغبة فيه،
وذلك لا يكون إلا من عاقل، أي: إنسان،  بخلاف "الغريزة"، فهي طبيعة في البهائم، أي: جبلة جبلوا عليها، لا عقل يحرّكها، ولا إدراك يوجّهها.
  فالبهائم لا تشتهي.. وليس فيها "شهوة".. لانعدام العقل، فهي لا تستعرض اللذائذ والأطايب كما يفعل الإنسان، فتثور لديها الرغبة فيها والميل إليها، بل هي لا تتحرّك إلا إذا أحسّت بوجود مأكلها أو مشربها أ, نزوها، فعند ذلك تنقضّ وتقبل، من دون تروّ ولا تمهّل، وعلى سبيل المثال، فإن الفحل من البهائم، ينزو على الأنثى نزوا بلا رويّة، فيقال:" نزا الفحل"، ولا يقال ذلك في الإنسان إذا جامع زوجته، لأن "المجامعة" بين البشر، هي غير "الضراب" بين البهائم.
  وبالعودة الى آيات القرآن العظيم، نجد إستعمال "الشهوة"، وسائر إشتقاقات هذه الكلمة، في الكلام عن الإنسان فقط، ولم يرد ذكر "الغريزة" ولا مرة واحدة في القرآن الكريم، لأنه خطاب للبشر، بل جاء تشبيه الكافرين بالدواب والأنعام، كما ذكرنا في العنوان السابق.
  أما الإنسان فقد خلق الله تعالى فيه "الشهوة"، وخلق  له "الشهوات"، قال تعالى:{ زيّن للناس حبّ الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث}، فهذه كلها "شهوات"، وقال تعالى عن قول لوط عليه السلام لقومه:{ إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء}، فسمّى تلك الفاحشة:" شهوة" ولم يقل:"غريزة". وحذّر الله تعالى الذين يتّبعون "الشهوات" من سوء العاقبة، فقال تعالى:{ فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيّا}.
  وكذلك في الاخرة حيث ينال المؤمنون في الجنة ما يشتهون، كما قال تعالى:{ وفيها تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين}.
  وملخّص القول: أن "الشهوة"، من خصائص الإنسان، وهي قد تكون مباحة، وقد تكون محرّمة يأثم بها فاعلها، ومن "الشهوات" ما يؤجر عليها المرء، كشهوة الجماع بالزواج،، وتحرّي الكسب الحلال، وقد جاء ذلك في الحديث الشريف، فيما رواه الإمام مسلم من حديث أبي ذر الغفاري، رضي الله عنه، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم:" وفي بضع أحدكم صدقة" أي: في جماعه زوجته، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟‍ قال:" أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال، كان له أجر".
  أما "الغريزة" فهي من البهائم خاصة، فلا تطلق "الغريزة" على شيء من خصائص الإنسان، فلا يقال:" غريزة حبّ البقاء"، ولا "غريزة التديّن"، بل هما فطرتان، فطر الله عليهما الإنسان، فهو يحبّ الحياة بالفطرة العاقلة التي فطره الله عليها، لا بالغريزة العجماء العمياء البهماء، والإنسان ميّال بفطرته الى الإيمان، إلا إذا انحرف به والداه فنشّآه على خلاف الفطرة، قال الله تعالى:{ فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيّم ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون}، ومعنى قوله تعالى:{ لا تبديل لخلق الله} أي: لا تبدلوا خلق الله تعالى، ولا تغيّروا في المولود فطرته التي فطره الله عليها، لأن كثيرا من الوالدين، يغيّران هذه الفطرة، ويبدّلانها، بعقائد الكفر والضلالن كما جاء في الحديث الشريف الذي تقدّم نصّه في المقدمة.
  فهي إذن: "الفطرة.." لا "الغريزة"، فيقال: "فطرة التديّن" و"فطرة حبّ الحياة والبقاء".. إلخ.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال