رسم / كتابة الهمزة المبدوءِ بها.. متحركةً محققة النطق بها يجب إثباتها في الخطِّ على صورةِ الألف بأية حركة تحركت وفي أية كلمة وقعت

الهمزةُ المبدُوءُ بها لا تكونُ إلا مُتحركةً محقَّقة النطقِ بها. ويجبُ إثباتها في الخطِّ على صورةِ الألف بأيَّةِ حركةٍ تحرَّكتْ، وفي أيَّةِ كلمةٍ وقعتْ، وذلك مثلُ: "أمَلٍ وإبلٍ وأحُدٍ واقعُدْ وأخذ وأجلَسَ وأَخٍ وإخوةٍ وإسمٍ وإصبعٍ وإحسانٍ" ونحو ذلك.

فإن وقعت هذه الهمزةُ المبدوءُ بها بعد همزةٍ من كلمةٍ أخرى، بَقيت على حالها من الخطّ، كما لو كانت مبدوءاً بها، مثلُ: (يجب أَن ينشأ أَولادنا على العمل لإِحياءِ آثارِ السّلفِ الصالح).

وإذا وقعت همزاتُ القطعِ والأصلِ والمُخبرِ عن نَفسهِ بعد همزة الاستفهام، كُتبت بصورةِ الألف، كما لو وقعت ابتداءً، قال تعالى: {أَأَنتم أشدُّ خلقاً؟ - أَإِلهٌ معَ الله - أَإِذا مِتنا؟}. وتقول: (أَأَجيئُكَ أَم تجيئُني؟). ويجوز أن تزيد بين الهمزتين ألفاً لا تُكتبُ وإنما تُعوَّضُ عنها بِمدَّةٍ بينهما، فتقولُ: (آأَنتَ فعلتَ هذا؟) قالَ ذو الرَّمَّةِ:
فَيا ظَبْيَةَ الوَعْساء بَيْن جُلاجِلٍ -- وَبينَ النَّقا، آأنتِ؟ أَمْ أُمُّ سالِمِ؟

وإذا وقعت بعدها همزةُ الوصل أسقطتْ همزةُ الوصلِ من الكتابة، كما تَسقطُ من اللَّفظ، لضعفها وقوَّةِ همزةِ الاستفهام.

وليس في هذا الإسقاط التباسٌ، لأن همزةَ الاستفهامِ مفتوحةٌ، وهمزةَ الوصلِ مكسورةٌ، قال تعالى {أتخذناهم سِخْريّا، أَم زاغت عنهم الأبصارُ! - أَطَّلعَ على الغَيبِ؟} وتقولُ: "ابْنُكَ هذا أَم أَخوك؟"، وتقولُ: "أسمُكَ حَسنٌ أَم حُسَينٌ؟" ومن ذلك قولُ ذي الرِّمةِ:
أَسْتَحْدَثَ الركْبُ عن أَشياعهِم خَبَراً -- أَمْ راجَعَ القَلْبَ من أَطْرابهِ طَرَبٌ؟

ولا تجري همزةُ "أَلْ" هذا المجرى، وإن كانت للوصل، لأنها مفتوحةٌ، وهمزة الاستفهام مفتوحة، فتلتبسُ الهمزتانِ إحداهما بالأخرى. وحينئذ يختلط الإخبار بالاستخبار (أَي الكلامُ الخبري بالكلام الاستفهامي)، فلو قلت: "الشمس طلعت" فلا يدري السامعُ: "أَأَنتَ تخبرُ عن طلوع الشمس؟ أَم أَنت تستفهم عن طلوعها" والوجه أن تُبدل همزةُ "أَل" أَلفاً ليّنة في اللفظ، يُستغنى عنها بالمدَّة، فتقولُ: "آلرجلُ خيرٌ أَم المرأَةُ؟".
قال تعالى: {آللهُ أَذِنَ لكم؟ - آلذَّكرينِ حَرَّمَ أم الأنثيَيْن؟ - آلآنَ وقد عَصَيْتَ قبلُ؟".

هذا ما يراه الجمهور الأعظم من النحاة في اجتماع همزة الاستفهام وهمزة "أل".
وفي كتاب (الكتّاب) لابن درستويه ما يدل على أنه لا فرق بين همزة "أل" وغيرها من همزات الوصل وعلى أنها تجري هذا المجرى، وإن كانت مفتوحة، لأنها أكثر استعمالا من سائر ألفاظ الوصل وما قاله هو القياس.

وأما التباس الإخبار بالاستخبار، فقرينة الكلام تعين المراد. ولا يكون هذا الاختلاط إلا في بعض المواضع. فليكن المنع حيث لم يؤمن اللبس.

على أنهم لم يجروا على القياس، حذر الالتباس، فكان عليهم أن لا يجيزوا حذف الاستفهام من الكلام، وقد أجازوها اعتماداً على قرينة لفظية، مثل: "ما أدري: في ليل رحل القوم، أَم في نهار؟ أي: أَفي ليل؟ وكقول عمر ابن أبي ربيعة:
بدا ليَ مِعصم حين جمَّرت -- وكفٌ خضيبٌ زُينت ببنان
فوالله ما أدري وإن كنت داريا -- بسبع رمين الجمر أَم بثمان؟

أَي: أبسبع؟ والقرينة اللفظية هنا هي "أم"، التي تكون بعد همزة الاستفهام في السؤال عن أَحد الشيئين. وقد يكون الحذف اعتماداً على قرينة معنوية، يعتمد فيها على فطنة السامع كقول الكميت:
طربت، وما شوقاً إلى البيض أطرب -- ولا لعباً مني، وذو الشوق يلعب
أي: "أو ذو الشوق يلعب؟".

ومنه قول المتنبي:
أحيا؟ وأيسر ما قاسيت ما قتلا -- والبين جار على ضعفي، وما عدلا
أراد: "أَأَحيا؟". وفي الحديث: "وإن زنى؟ وإن سرق؟"، أي: "أو إن زنى أو إن سرق؟" وفي شرح المغني للدماميني: نقلا عن الجني الداني لابن قاسم: إن حذفها مطرد إذا كان بعدها "أَم": لكثرته نظما ونثراً.

قال الدماميني: "قلت: وهو كثير مع فقد "أَم". والاحاديث طافحة بذلك". وتحقيق قول ما قاله الاخفش من ان حذفها جائز اختياراً في نظم أَو نثر، إذا أَمن اللبس. فإن أدى الحذف إلى الالتباس، فلا يجوز قولاً واحداً. 

فأنت ترى أَنهم أجازوا حذف همزة الاستفهام. ومنعوا حذف همزة "أل" بعد همزة الاستفهام. والمسألتان واحدة. فإذا قد أَجازوا أَن تحذف همزة الاستفهام، حيث يؤمن اختلاط الإخبار بالاستخبار، فينبغي أَن يجيزوا حذف همزة "أل" بعد همزة الاستفهام حيث يؤمن الالتباس، قياساً على غيرها من همزات الوصل والحق أَن حذفها، بعد همزة الاستفهام، جائز قياساً عند أَمن اللبس. وقد تقدم القول فيما جنح اليه ابن درستويه في كتاب (الكتّاب) من جواز ذلك).
أحدث أقدم

نموذج الاتصال