الأحرف الجازمة فعلين مضارعين.. إن. إذ ما. من. مهما. متى. أيان. أين. أنى. حيثما. كيفما. أي. إذا

الذي يجزم فعلين ثلاث عشرة أداة. وهي:
(1) إن، نحو: {إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبْكم به الله}.
وهي أمُّ الباب. وغيرها مما يجزم فعلين إنما جزمها لتضمنه معناها. فإن قلت: (من يزرني أكرمْه)، فالمعنى: (إن يزرني أحد أُكرمه) ولذلك بنيت أدوات الشرط لتضمنها معناها.

(2) إذ ما، كقول الشاعر:
وإنك إذ ما تأت ما أنت آمرٌ -- بهِ تُلْفِ مَنْ تأمرُ آتيا
وهي: حرف بمعنى (إن). وبقية الأدوات اسماء تضمنت معنى (إن)، فبنيت وجزمت الفعلين. وعملُها الجزم قليل. والأكثر أن تهمل ويرفع الفعلان بعدها. وذهب بعضهم إلى أنها لا تجزم إلا في ضرورة الشعر.

(وأصلها "ذا" الظرفية، لحقتها "ما" الزائدة للتوكيد فحملتها معنى "إن"، فصارت حرفاً مثلها، لأنها لا معنى لها إلا ربط الجواب بالشرط، بخلاف بقية الأدوات فان لها، غير معنى الربط، معاني أخر، كما ستعلم. ومن النحاة كالمبرد وابن السراج والفارسي - من يجعلها اسماً معتبراً فيها معنى الظرفية).

(3) مَن، وهي اسم مبهم للعاقل، نحو: {من يفعل سوءاً يجزَ به}. (4) ما، وهي اسم مبهم لغير العاقل، نحو: {وما تفعلوا من خير يعلَمْهُ الله}.

(5) مهما، وهي: اسمٌ مبهم لغير العاقل أيضاً، نحو: {وقالوا: مَهما تأتنا به به من آية لتسحَرَنا بها، فما نحن لك بمؤمنين}. 

وهي على الصحيح، اما مركبة من "مه" التي هي اسم فعل أمر للزجر والنهي ومعناه: "أكفف" ومن "ما" المتضمنة معنى الشرط، ثم جعلا كلمة مواحدة للشرط والجزاء ويدل على هذا أنها أكثر ما تستعمل في مقام الزجر والنهي. واما مركبة من (ما) الشرطية (وما) الزائدة للتوكيد، زيدت عليها كما تزاد على غيرها من أدوات الشرط ثم كرهوا أن يقولوا: (ماما) فأبدلوا من ألف الأولى هاء ليختلف اللفظان.

(6) متى، وهي: اسم زمان تضمن معنى الشرط، كقول الشاعر:
متى تأْته تعشُو إلى ضوء ناره -- تجد خير نارٍ، عندها خيرُ موقد
وقد تلحقها "ما" الزائدة للتوكيد كقوله:
متى ما تلقني، فَرْدَيْنِ، تَرْجُفْ -- رَوانِفُ أَلْيَتَيْكَ وتُسْتطارا

(7) أَيّانَ، وهي: اسم زمانٍ تَضمَّنَ معنى الشرطِ كقول الشاعر:
أَيَّانَ نُؤْمِنْكَ، تأمَنْ غيرَنا، وإذا -- لمْ تُدْرِكِ الأَمنَ منا لم تزلْ حَذِرا
وكثيراً ما تلحقُها "ما" الزائدةُ للتوكيد، كقول الآخر:
إذا النَّعْجَةُ الأَدْماءُ باتت بِقَفْرَةٍ -- فأيَّانَ ما تَعْدِلْ بهِ الرِّيحُ يَنْزِلِ

وأصلها: "أي إن"، فهي مركبة من "أي" المتضمنة معنى الشرط و "آن" بمعنى حين. فصارتا بعد التركيب اسماً واحداً للشرط في الزمان المستقبل مبنياً على الفتح.

(8) أينَ، وهي: اسمُ مكانٍ، تَضمّنَ معنى الشرط، نحو: "أينَ تنزِلْ أنزِلْ" وكثيراً ما تَلحقُها "ما" الزائدةُ للتوكيدِ، نحو: {أينما تكونوا يدرِكْكُمُ الموتُ.

(9) أنَّى، ولا تَلحقُمها "ما"، وهي اسمُ مكانٍ تَضمن معنى الشرط، كقول الشاعر:
خَليلَيَّ، أنَّى تَأتيانيَ تَأتِيا -- أخاً غيرَ ما يُرَضيكُما لا يُحاوِلُ

(10) حَيثُما، وهي: اسمُ مكانٍ تَضمنَ معنى الشرط، ولا تجزم إلاّ مُقترنةً بما، على الصحيح، كقول الشاعر:
حَيْثُما تَستَقِمْ يُقَدِّرْ لكَ اللهُ -- نجاحاً في غابرِ الأَزمان

(11) كيفما، وهي: اسمٌ مُبهَمٌ تضمَّنَ معنى الشرط، فتقتضي شرطاً وجواباً مجزومين عندَ الكوفيين، سواءٌ أَلحِقتها "ما"، نحو: "كيفما تكنْ يكنْ قرينُكَ"، أَم لا، نحو: "كيف تجلسْ أَجلسْ".

أما البصريونَ فهي عندهم بمنزلة "إذ"، تقتضي شرطاً وجزاءً، ولا تجزمُ، فهما بعدها مرفوعان غير أنها بالاتفاق تقتضي فعلينِ مُتفقَيِ اللفظ والمعنى، كما رأَيتَ سواءٌ أَجزمتَ بها أَم لم تجزم.

فلا يجوز أن يقال: "كيفما تجلس أذهب"، لاختلاف لفظ الفعلين ومعناهما. ولا: "كيفما تكتب الكتاب أكتب القربة"، أي أخرزها وأخيطها لاختلاف معنى الفعلين وإن اتفق لفظهما. ولا: "كيفما تجلس أقعد" لاختلاف لفظ الفعلين وإن اتفق معناهما.

(12) أيُّ. وهي: اسمٌ مبهمٌ تضمنَ معنى الشرط. وهي، من بينِ أدوات الشرط، مُعربةٌ بالحركات الثلاث، لملازمتها الإضافة إلى المفرد، التي تبعدُها من شبه الحرف، الذي يقتضي بناءَ الأسماء، فمثالُها مرفوعةً: "أيُّ امريءٍ يَخدْم أُمتَه تخدمْهُ"، ومثالُها منصوبةً: قولهُ تعالى: {أيًّاما تدعوا فَلَهُ الأسماءُ الحسنى}، ومثالُها مجرورةً: بأي قلم تكتبْ أكتبْ، وكتابَ أيٍّ تقرأْ أَقرأْ".

"وهي ملازمة للاضافة إلى المفرد. وقد يحذف المضاف إليه فيلحقها التنوين عوضاً منه، كما في الآية الكريمة. إذ التقدير: "اي اسم تدعوا" وكما في المثال الرابع، إذ التقدير "كتاب أي رجل".
ويجوز أن تلحقها "ما" الزائدةُ للتوكيد، كالآية السابقة، وكقوله تعالى: {أيما الأجلَيْن قَضيتُ فلا عُدوان عليًّ}.

(13) إذا، وقد تَلحقُها (ما) الزائدةُ للتوكيد، فيقالُ: (إذا ما). وهي اسمُ زمانٍ تضمنَ معنى الشرط. ولا تجزم إلا في الشعر، كقول الشاعر:
إستَغْنِ، ما أغناكَ ربُّكَ، بالغِنى -- وإذا تُصِبْكَ خَصاصَةٌ فَتَجَمَّلِ

وقد يُجزَمُ بها في النثر على قِلَّة: ومنه حديثُ علي وفاطمة، رضيَ الله عنهما: "إذا أخذتُما مَضاجِعَكما، تُكَبِّرا أربعاً وثلاثين".

والفرقُ بين (إنْ): أن الأولى تدخل على ما يُشَكُّ في حصولهِ. والثانية تَدخل على ما هو مُحقّقُ الحصول.
فإن قلتَ (إن جئت أكرمتك)، فأنتَ شاكٌّ في مجيئه، وإن قلتَ: (إذا جئت أَكرمتُكَ)، فأنتَ على يقين من مجيئه.

(والجزم باذا شاذ، للمنافاة بينها وبين "إن" الشرطية.
وذلك أن أدواتِ الشرط إنما تجزم لتضمنها معنى "إن": التي هي موضوعة للابهام والشك، وكلمة "إذا" موضوعة للتحقيق فهما متنافيتان).
أحدث أقدم

نموذج الاتصال