الحروف التي تقدر بعدها (أنْ) وجوبا.. لام الجحود. فاء السببِيّة. واو المعيّةِ. حتى. أو

إضمار "أن" وجوباً:
تُقدَّرُ (أنْ) وجوباً بعد خمسة أحرف:

(1) لام الجحود:
"وسماها بعضهم لام النفي، وهي لامُ الجر التي تقع بعد (ما كان) أو (لم يكن) الناقصتين"، نحو: "ما كان الله ليظلمَهم"، ونحو: {لم يكن الله ليغفرَ لهم}.

(فيظلم ويغفر: منصوبان بأن مضمرة وجوباً، والفعل بعدها مؤول بمصدرمجرور باللام. وخبر كان ويكن مقدر. والجار والمجرور متعلقان: بخبرها المقدر والتقدير: "ما كان الله مريداً لظلمهم، ولم يكن مريداً لتعذيبهم".

فإن كانتا تامتين، جاز (إظهار (أن) بعدها، لأنها حينئذ لام التعليل نحو: "ما كان الإنسانُ ليعصيَ رَبَّهُ، أَو لأن يعصيهُ"، أَي: ما وُجد ليعصيه.

(2) فاء السببِيّة:
"وهي التي تفيد أَن ما قبلها سببٌ لما بعدها، وأَن ما بعدها مسببٌ عما قَبلها"، كقوله تعالى: {كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوْا فيه فيحلَّ عليكم غضبي}.

 (فإن لم تكن الفاء للسببية، بل كانت للعطف على الفعل قبلها، أو كانت للاستئناف لم ينصب الفعل بعدها بأن مضمرة. بل يعرب في الحالة الأولى باعراب ما عطف عليه، كقوله تعالى: {لا يؤذن لهم فيعتذرون}، أي ليس هناك إذن لهم ولا اعتذار منهم: ويرفع في الحالة الأخرى، كقوله سبحانه: {إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له: كن فيكون} أي: "فهو يكون إذا أَراده" فجملة "يكون" ليست داخلة في مقول القول، بل هي جملة مستقلة مستأنفة. ومنه قول الشاعر:
ألم تسأل الربع القواء فينطق -- وهل تخبرنك اليوم بيداء سملق
(أَي: فهو ينطق إن سألته).

(3) واو المعيّةِ:
"وهي التي تُفيدُ حصولَ ما قبلها مع ما بعدها، فهي بمعنى (مَعَ) تُفيد المصاحبةَ" كقول الشاعر:
لا تَنْهَ عن خُلُقٍ وتأتيَ مِثْلَهُ -- عارٌ عليكَ، إذا فعَلتَ، عظيم

فإن لم تكون الواو للمعية، بل كانت للعطف، أو للاستئناف، فيعرب الفعل بعدها في الحالة الأولى، باعراب ما قبله، نحو: "لا تكذب وتعاشر الكاذبين"، أي ولا تعاشرهم. ويرفع في الحالة الأخرى، نحو: "لا تعص الله ويراك"، أي: وهو يراك. والمعنى: هو يراك، فلا تعصه. فالواو ليست لملعية، ولا للعطف، بل هي للاستئناف.

(4) حتى:
وهي "حتى الجارَّةُ، التي بمعنى "إلى" أو لامِ التعليل. فالأول نحو: "قالوا: لن نبرحَ عليه عاكفين حتى يَرجعَ إلينا موسى". والثاني نحو: "أطعِ الله حتى تَفوزَ برضاهُ" أي إلى أن يرجعَ، ولتفوز. وقد تكون بمعنى "إلاّ" كقولهِ:
ليْسَ العطاءُ من الفُضُولِ سَماحةً -- حتى تَجودَ وما لَدَيْكَ قَليل
أي: إلاّ أن تجودَ. والفعل بعده مؤول بمصدرٍ مجرورٍ بها. ويُشترط في نصب الفعل بعدها بأن مضمرة، أن يكون مستقبلاً، أمّا بالنسبة إلى كلام التكلم، واما بالنسبة إلى ما قبلها.

ثم إن كان الاستقبالُ بالنسبة إلى زمان التكلم وإلى ما قبلها. وجب النصبُ لأنّ الفعلَ مُستقبلٌ حقيقةً، نحو: صُمْ حتى تَغيبَ الشمس": فغياب الشمس مُستقبلٌ بالنسبة إلى كلام المتكلم، وهو أيضاً مستقبلٌ بالنسبة إلى الصيام, وإن كان الاستقبال بالنسبة إلى ما قبلها فقطْ، جاز النصب وجاز الرفع.

وقد قُرِئَ قوله: {وزُلزلوا حتى يقولَ الرسولُ} بالنصب بأن مضمرةً، باعتبار استقبال الفعل بالنسبة إلى ما قبله لأن زلزالهم سابقٌ على قول الرسول. وبالرفع على عدم تقدير "أن"، باعتبار، ان الفعل ليس مستقبلا حقيقةً. لأنَّ قول الرسول وقع قبل حكايةِ قوله، فهو ماضٍ بالنسبة إلى وقت التكلُّم. لأنه حكايةُ حالٍ ماضية و "أن" لا تدخل إلا على المستقبل. 

فإن أريدَ بالفعل معنى الحال، فلا تُقدَّر "أن، بل يُرفع الفعل بعدها قطعاً، لأنها موضوعةٌ للاستقبال، نحو: "ناموا حتى ما يستيقظون". ومنه قولهم: "مرض زيدٌ حتى ما يَرجونهُ" وتكون "حتى" حينئذٍ حرفَ ابتداءٍ والفعل بعدها مرفوعٌ للتجرد من الناصب والجازم. وحتى الابتدائية: حرفٌ تُبتدأُ به الجُمَلُ. والجملةُ بعدها متسأنَفة، لا محل لها من الإعراب.

وعلامة كون الفعل للحال أن يصلح وضعُ الفاء في موضع حتى. فإذا قلت: "ناموا فلا يستيقظون، ومرض زيد فلا يرجونه"، صحَّ ذلك.

(5) أو:
ولا تُضمَرُ بعدها (أن) إلا أَن يَصلُحَ في موضعها (إلى) أو (إلاّ) الاسثنائيّة، فالأول كقول الشاعر:
لأَّستَسْهلنَّ الصَّعْبَ أو أدْرِكَ المُنى -- فما انقادَتِ الآمالُ إلاَّ لَصابرِ
أي: إلى أن أدرك المنى، والثاني كقول الآخر:
وكُنتُ إذا غَمَزْتُ قناةَ قَوْمٍ -- كَسَرْتُ كُعوبَها أَو تَسْتَقِيما
أي: إلا أن تستقيم.

والفعلُ، المنصوب بأن مُضمَرةً بعد (أو)، معطوفٌ على مصدرٍ مفهومٍ من الفعل المتقدم، وتقديرُه في البيت الأول: (لَيَكونَنَّ مني استسهالٌ للصَّعبِ أو إدراكٌ للمنى)، وتقديرُه في البيت الآخر: ليكوننَّ مني كسرٌ لكُعوبها أو استقامة منها).

واعلم أن تأويل "أو" بإلى أو إلا. انما هو تقدير يلاحظ فيه المعنى دون الإعراب. أما التقدير الإعرابي باعتبار التركيب فهو أن يؤول الفعل قبل "أو" بمصدر يعطف عليه المصدر المسبوك بعدها بأن المضمرة. كما رأيت وانما أول ما قبل "أو" بمصدر لئلا يلزم عطف الاسم (وهو المصدر المسبوك بأن المقدرة على الفعل. وذلك ممنوع).
أحدث أقدم

نموذج الاتصال