إعراب الفعل بعد الفاء السببية وواو العطف

إن إعراب الفعل بعد الفاء والواو يتوقف على مراد القائل. فإن أراد السببية، فالنصب. وإن أراد العطف، فالإعراب بحسب المعطوف عليه. وإن لم يرد هذا ولا ذاك، بل أراد استئناف جملة جديدة، فالرفع ليس المراد بالاستئناف قطع الارتباط بين الجمل في المعنى بل المراد الارتباط اللفظي، أي الإعرابي.

واعلم ان المروي من ذلك، من آية أو شعر، ينطق به على روايته وقد تحتمل الأوجه الثلاثة في كلام واحد، وقد مثلوا له بقولهم: "لا تأكل السمك وتشرب اللبن".

فإن أردت النهي عن الجمع بينهما، نصبت ما بعدها، لأنها حينئذ للمعية.
وإن أردت النهي عن الأول وحده، وإباحة الآخر، رفعت ما بعدها لأنها حينئذ للاستئناف: ويكون المعنى: "لا تأكل السمك، ولك أن تشرب اللبن".

والواو والفاءُ هاتانِ لا تُقدَّر (أنْ) بعدهما إلا إذا وقعتا في جواب نفي أو طلبٍ فمثالُ النفي مع الفاء: "لم تَرحمْ فتُرحمَ" ومثال الطلب معها: "هل ترحمون فتُرحموا؟". ومثال النفي مع الواو: "لا نأمرُ بالخير ونُعرضَ عنه" ومثال الطلب معها: "هل ترحمون فتُرحموا؟". ومثال النفي مع الواو: "لا نأمرُ بالخير ونُعرضَ عنه" ومثال الطلب معها: "لا تأمروا بالخير وتعرضوا عنه".

فإن لم يسبقهما نفيٌ أو طلبٌ، فالمضارعُ مرفوعٌ، ولا تقدَّرُ (أنْ)، نحو "يُكرمُ الأستاذُ المجتهدَ، فيخجَلُ الكسلانُ"، ونحو: "الشمسُ طالعةٌ وينزلُ المطرُ".

وشرطُ النفيِ أن يكون نفياً محضاً. فإن كان في معنى الإثبات، لم تُقدَّرْ بعده (أن) فيكونُ الفعل مرفوعاً، نحو: "ما تزالُ تجتهدُ فتتقدَّمُ" إذِ المعنى أنت ثابتٌ على الاجتهاد. ونحو: (ما تيجئُنا إلا فنكرمُكَ). فالنفي منتقضٌ بإلاّ، إذِ المعنى إثبات المجيء.

ولا فرق بين أن يكون النفيُ بالحرف، نحو: (لم يجتهد فيُفلحَ: أو بالفعل، نحو: (ليس الجهل محموداً فتُقبلَ عليه)، أو بالإسم، نحو: الحلمُ غيرُ مذموم فتَنْفِرَ منه.

ويُلحَقُ بالنفي التَّشبيهُ المرادُ به النفي والإنكارُ، نحو: كأنَّك رئيسُنا فنُطيعَكَ!، أي: ما أنتَ رئيسنا. وكذا ما أفاد التَّقليل. نحو: (قد يجودُ البخيلُ فيُمدَحَ) أو النفيَ، نحو: (قلَّما تجتهدُ فتنجَح).

والمرادُ بالطَّلبِ الأمرُ بالصيغة أو باللامِ، والنهيُ، والاستفهام، والتّمنِّي والترجّي، والعَرْضُ، والتَّحضيضُ.

أما ما يَدلُّ على معنى الأمر بغير صيغة الأمر أو لامِ الأمر: (كاسم فعلِ الأمر)، نحو: (صَهْ، فينامُ الناسُ). أو المصدرِ النائبِ عن فعل الأمر، نحو: (سُكوتاً، فينامُ الناس). أو ما لفظُه خَبر ومعناهُ الطلب، نحو: "حَسبُكَ الحديثُ، فينامُ الناسُ")، فلا تُقدَّر "أن" بعده. ويكونُ الفعل مرفوعاً على أصحِّ مذاهبِ النحاة. وأجازَ الكسائيُّ نصبَهُ في كل ذلك. وليس ببعيد من الصواب.

والفعلُ المنصوب بأن مَضمَرةً وجوباً، بعد الفاءِ والواو هاتين، مؤَوَّل بمصدرٍ يُعطفُ على المصدرِ المسبوكِ من الفعل المتقدم. فإذا قلت: "زُرني فأكرمَكَ، ولا تنهَ عن خُلُقٍ وتأتيَ مثله" فالتقديرُ: "لِيكنْ منك زيارةٌ لي فإكرامٌ مني إيَّاكَ، ولا يكن منك نهيٌ عن خلق واتيان مثلهِ".

واعلم أنه إذا سقطت فاء السببية هذه بعد ما يدل على الطلب، يجزم الفعل بعد سقوطها إن قصد بقاء ارتباط ما بعدها بما قبلها ارتباط فعل الشرط بجزائه. فإن اسقطت الفاء في قولك "اجتهد فتنجح"، قلت: "اجتهد تنجح".
ومنه قوله تعالى: {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم}. وقول امرئ القيس:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل -- بسقط اللوى بين الدخول فحومل

فإذا أردت الاستئناف، رفعت الفعل، نحو: عدل، ينزل المطر). فليس المراد أن تعجل بنزول المطر.
وكذا إذا كانت الجملة نعتاً لما قبلها، كقولك "صاحب رجلا يدلك على الله.
ومنه قوله: {فهب لي من لدنك ولياً يرثني} أي: ولياً وارثاً لي.
وقد قرئت الآية بالجزم أيضاً، على معنى: "إن يهب لي ولياً يرثني".
وكذا إذا كانت الجملة في موضع الحال فإنك ترفع الفعل، نحو: "قل الحق لا تبالي اللائمين" أي: غير مبال بهم.
ومنه قوله تعالى: {ولا تمنن تستكثر}، أي: مستكثراً.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال