المضارع المنصوب ونواصبه.. أنْ. لن. إذن. كي

يُنصبُ المضارعُ إذا سبقتهُ إحدى النواصب.
وهو يُنصبُ إما لفظاً، وإما تقديراً، كما سلفَ، وإما محلاًّ، إن كان مبنيًّا مثل: "على الأمهاتِ أن يَعنينَ بأولادهنَّ".
ونواصبُ المضارع أربعةُ أحرفٍ، وهي:

(1) أنْ، وهي حرفُ مَصدرِيةٍ ونصبٍ واستقبال، نحوَ: {يُريدُ اللهُ أَن يُخففَ عنكم}.
وسميت مصدرية، لأنها تجعلُ ما بعدها في تأويل مصدر، فتأويل الآية: "يريد الله التخفيف عنكم": وسميت حرف نصب، لنصبها المضارع.

وسميت حرف استقبال، لأنها تجعل المضارع خالصاً للاستقبال. وكذلك جميع نواصب المضارع تمحضه الاستقبال بعد أن كان يحتمل الحال والاستقبال".

ولا تَقعُ بعد فعلٍ بمعنى اليقينِ والعلمِ الجازم.
فإن وقعت بعدَ ما يدُلُّ على اليقين، فهيَ مُخفَّفةٌ من "أنَّ"، والفعل بعدها مرفوعٌ، نحو: {أفلا يَرَوْنَ أنْ لا يَرجِعُ إليهم قولاً}، أي أنهُ لا يَرجع.

وإن وقعتْ بعدَ ما يدُلُّ على ظنٍّ أو شبههِ، جازَ أن تكون ناصبة للمضارعِ، وجازَ أن تكونَ مخفَّفةً من المشدَّدَة، فالفعلُ بعدَها مرفوعٌ.

وقد قُرِئَتِ الآيةُ: {وحَسِبوا أَلاّ تكونَ فتنةٌ}، بنصب "تكون"، على أنّ "أنْ" ناصبةٌ للمضارعِ، وبرفعه على أنها مخففةٌ من "أن".

والنصب أَرجح عندَ عَدمِ الفصلِ بينها وبين الفعلِ بلا، نحو: {أحسِبَ الناسُ أن يُترَكوا} والرفعُ والنصبُ سواءٌ عند الفصل بها، كالآية الأولى. فإن فُصِلَ بينهما بغير "لا" كقَدْ والسين وسوفَ، تعيَّنَ الرفعُ، وأن تكونَ "أنْ" محفَّفةً من المُشدَّدة، نحو: "ظننت أَنْ قد تقومُ، أَو أَن ستقومُ، أَو أَنْ سوفَ تقومُ".

واعلمْ أنَّ "أَن" الناصبةَ للمضارع، لا تُستعملُ إلاّ في مقام الرجاء والطَّمعِ في حصولما بعدها، فجاز أن تقعَ بعد الظنّ وشِبهه، وبعد ما لا يدل على يقين أو ظن، وامتنع وقوُعها بعد أفعالِ اليقين والعلم الجازم، لأن هذه الأفعالَ إنما تتعلقُ بالمحقَّق، لا يناسبُها ما يدلُّ على غير محقَّق، وإنما يناسبُها التوكيدُ، فلِذا وجب أن تكون "أن" الواقعةُ مُخفِّفة من المُشدَّدة المفيدةِ للتوكيد.

(2) لنْ، وهي: حرفُ نفيٍ ونصبٍ واستقبال، فهي في نفي المستقبل كالسين وسوفَ في إثباته. وهي تفيدُ تأكيدَ النفي لا تأييدَهُ وأما قولهُ تعالى: لَنْ يَخلُقوا ذُباباً، فمفهوم التأييدِ ليس من "لن"، وإنما هو من دلالة خارجيّة، لأنَّ الخلقَ خاص بالله وحدَهُ.

وهي على الصحيح، مركبة من "لا" النافية و "أَنْ" المصدرية الناصبة للمضارع وصلت همزتها تخفيفاً وحذفت خطاً تبعاً لحذفها. وقد صارتا كلمة واحدة لنفي الفعل في الاستقبال.

(3) إذَنْ، وهي: حرفُ جوابٍ وجزاءٍ ونصبٍ واستقبالٍ، تقولُ: "إِذَنْ تُفلِحَ"، جواباً لمن قال: "سأجتهدُ". وقد سميتْ حرفَ جوابٍ لأنها تقعُ في كلام يكون جواباً لكلام سابقٍ. وسميت حرفَ جزاء، لأن الكلام الداخلة عليه يكون جزاءً لمضمون الكلام السابق.

وقد تكون للجواب المحض الذي لا جزاءَ فيه، كأن تقولَ لشخصٍ: "إني أحبك"، فيقول: "إذنْ أَظنك صادقاً"، فظنكَ الصدقَ فيه ليس فيه معنى الجزاء لقوله: "إني أحبكَ".

(4) كي، وهي: حرف مَصدريَّةٍ ونصبٍ واستقبال. فهي مثل: "أنْ"، تجعل ما بعدها في تأويل مصدر. فإذا قلتَ: "جئتُ ليك أتعلَّمَ"، فالتأويلُ: "جئتُ للتعلُّم" وما بعدها مؤَوَّل بمصدرٍ مجرورٍ باللاّمِ.

والغالبُ أن تسبقها لامُ الجرّ المُفيدةُ للتعليل، نحوُ: {لكيلا تأسَوْا على ما فاتكم}. فإن لم تسبقها، فهي مُقدَّرةٌ، نحو: "استقِم كيْ تُفلحَ" ويكون المصدرُ المؤوَّلُ حينئذ في موضع الجرّ باللام المقدَّرة، أَ يكونُ منصوباً على نزع الخافض.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال